كنت أطالع إحدى النشرات الإعلانية المحلية التي توزع مجاناً عندما استوقفني إعلان لأحد المراكز الطبية في العاصمة يطلب فيه طبيباً يعمل لديه بالعمولة· وسرعان ما قفزت أمامي صورة فني بقسم الصيانة بإحدى وكالات السيارات الشهيرة لم يجد بداً من القول صراحة أمام إلحاح العميل وإصراره إن قطعة جديدة من سيارته استبدلت بأخرى لم يكن لها من داع، وأن الأمر يتعلق بحوافز وعمولات تقدمها الشركة للفني أو العامل الذي يحقق أعلى معدل للمبيعات· وإذا كان مثل هذا الأمر معمولاً به في قطاعات تجارية معينة، فإن إدخاله وتبنيه في القطاع الصحي، لا يجسد سوى نظرة تجارية بحتة لمهنة سامية، وهي الطب· وبهذه النظرة تجد مندوبي مبيعات شركات توزيع الأدوية يتقاطرون على العيادات والمراكز الطبية الخاصة!! ومع ظهور مثل هذه الممارسات في الحقل الطبي تظهر الأخطاء التي هي ليست قاصرة فقط على الأطباء أو الممرضين بل تمتد حتى للصيدلي· ومن هنا تجيء أهمية التعميم الذي أصدرته وزارة الصحة مؤخرا وأمهلت فيه المنشآت الصحية والصيدلانية ستة أشهر لتوفيق أوضاعها وفقا للقانون الاتحادي رقم 10 لعام ،2008 والذي يلزم هذه المنشآت بتأمين الأطباء والممرضين والصيادلة وغيرهم من الفنيين ضد المسؤولية عن الأخطاء الطبية· والواقع أن القانون مر بمخاض طويل وعسير قبل أن يرى النور، وصاحبه الكثير من الجدل حتى وصلنا إلى مرحلة التعميم عنه بأن تنفيذه سيحين في النصف الثاني من عامنا الحالي· البعض قلل من أثر القانون في الحد من الأخطاء الطبية حتى قبل أن يصدر القانون وينشر في الجريدة الرسمية · شأنهم في ذلك شأن الذين يردون ارتفاع الحوادث المرورية عندنا إلى التأمين الإلزامي المتبع عند تسجيل السيارات والمركبات· إلا أن غياب هذا القانون كان بمثابة ثغرة وفجوة كبيرة في النظام الطبي والخدمات الصحية في البلاد· وتنفيذ قانون المسؤولية عن الأخطاء الطبية سيساهم في تدقيق المؤسسات الطبية كثيراً عند اختيار طواقمها الطبية والتمريضية والفنية، وحتى الأطباء الزائرين الذين شملهم القانون أيضاً· فقد كانت بعض المنشآت الطبية تتنصل بكل بساطة من أبسط التزام تجاه مرضاها عندما يتعلق الخطأ أو التجاوز بطبيب زائر، وهي التي أغرقتنا بإعلاناتها عن قدرات وإمكانات وشهرة الطبيب الذي قام بالفحص وشخص المرض وعمل بمشرطه على جسد المريض في غرفة عمليات تلك المنشأة · ومن شأن تحديد المسؤوليات بقوة القانون المعني بالتعامل مع الأخطاء الطبية أن يعزز الوعي العام لدى الجمهور، وتعريفه بحقوقه والآلية التي يجب اتباعها في التعامل مع حالات الأخطاء التي نتمنى ألا تحصل، فأي خطأ هنا يعد مسألة حياة أو موت· كما نتمنى أن يساهم التعميم والمهلة التي حددتها الوزارة لتطبيق القانون في الحد ليس فقط من الأخطاء الطبية والتقليل منها، وإنما يساعد أيضاً في الحد من صور الإساءة للطب التي تجري في الميدان على يد الطبيب بالعمولة وأمثاله ، والذين جعلوا من الطب تجارة وصفقات وعمولات حتى تغمر الثقة الجمهور بخدمة طبية نوعية متاحة لكل من يحتاج إليها·