ستون سنة ونيفاً، والشعب الفلسطيني المغلوب على أمره تطحنه الخلافات الفلسطينية الفلسطينية وتمضغ لحمه ودمه وقوته ومستقبل حياته·· وإسرائيل لن تبطش ولن تنجبر ولن تكبر، إلا بتنامي العداء الساخر، والمجاهر والمكابر بين الأخوة الأعداء، والأشقاء الأشقياء· ستون سنة والجدال والسجال والقتال واللا اعتدال تشتعل ألسنته النارية في وجه الإنسان المطحون المغبون المسكون بهم العيش بلا خوف ولا حيف ولا زيف ولا نزف ولا خسف ولا نسف، والقادة الكبار يعيشون في خرق ومزق ورهق وهرق ونزق، ويضعون القضية الجوهر على مقصلة الإعدام اليومي وانعدام النهج القيمي، وصراع تدور رحاه وتطوي مستقبل الإنسان الفلسطيني كطي السجل، وبلا هوادة، ترتفع الأصوات وتلتهب السياط ولا رادع ولا وازع ولا مانع من أن يستمر هؤلاء القادة ضحية أهواء وأرزاء وأنواء ونوايا لا تقدم شيئاً بقدر ما تخرب وتسرب وتهرب القضية إلى مسارات ومغارات مخيبة للآمال، قاصمة الظهر راجمة للأسس والثوابت والمبادئ الإنسانية في استرجاع الحقوق وانتزاع ما تم احتلاله واغتصابه وقضمه وهضمه· ستون سنة والبندقية الفلسطينية تنطلق بكل بسالة باتجاه الأخ والشقيق والصديق والرفيق، ولا مجال ولا مآل للاتفاق بعد شقاق طال أمده وتحالفات من هنا وهناك تختطف القضية من بين أيدي أبنائها وتضيع في متاهات الذين يريدون لها أن تستمر هكذا كحطب النار ويستخدمونها في صفقات ومراهنات لا تحترم أحداً بقدر ما هي مطية عطية سخية لغير أهلها· ستون سنة والشك يأكل قلوب الأخوة، والوسواس الخناس ينخر في صدورهم وينحر الثقة فيما بينهم ولا عصا موسى ولا سحر فرعون يمكن أن يعيد المياه إلى مجاريها، أو يكفكف دموع الذين ضاعت مراسيهم وتاهت أمانيهم بين من يريد ومن لا يريد، ولا يريد غير الاستمرار المحموم والمدهوم والمهموم بقضايا جانبية لا تتلامس أبداً مع جوهر القضية، ولا تتوازى مع هموم الإنسان الفلسطيني الذي بات في حيرة بين هذا وذاك، وما عاد يميز ما بين الوطن وسواه، فالكل يشتم الكل، والكل يخون الكل، والكل يريد أن ينقض على الكل وينصب نفسه قاضياً وحامياً وحاكماً وداعياً بأمر نفسه· ستون سنة والقضية تتشبث بأرجوحة اللاسلام، واللاوئام واللانسجام، ولا شيء غير الكلام يجر الكلام ونهار غزة ظلام وليل الضفة تعشعش في أحشائه النوايا والخبايا وما تدسه إسرائيل من نوايا مؤجلة بعد غزة الثكلى والأرملة· ستون سنة والفلسطيني البائس ينتظر من قادته رجلاً رشيداً يعيد الرشد والسؤود إلى قضية لا تحتاج في عدالتها إلى سؤال·· أو موال، فقط أن يفكر القادة بعقل وأن يحترموا المقدسات التي تمر عليها أقدامهم وتحيط أجسادهم وتؤوى أحلامهم·· فقط أن يجلسوا ولو لمرة واحدة ويؤمنوا أن الله واحد، والأرض واحدة، والحق واحد، فلماذا كل هذا التناحر، وهذا التكابر، وهذا الانبعاث الحراري الذي لا يحرق غير الجسد الفلسطيني، والدم الفلسطيني، والحق الفلسطيني· ستون سنة والفلسطينيون يتحاورون مع كل مخلوقات الدنيا إلا مع أنفسهم، فهذا هو المحرم وهذا الجرم الذي يتحاشونه ويشيحون عنه بوجوم تحت غيوم وسقوم من الشك والريبة·· شعوب الدنيا حاربت أكثر أشكال الطغيان فتحررت وأنجزت حريتها بكل فخر واعتزاز·· فليستفد الفرقاء من تجارب الآخرين وفيتنام مثال أمام مرأى العين وبصيرة العقل··