أطلقت بلدية ابوظبي يوم أمس الاول أحدث حملاتها في المدينة للقضاء على ظاهرة سكن العزاب في المباني والمناطق التي تقطنها عائلات، كما تهدف الحملة التي تستمر أسبوعاً إلى التصدي لظاهرة أخرى غير صحية ولا إنسانية وتتعلق بتقسيم الوحدات السكنية كي تستوعب المزيد من السكان فوق الطاقة المحددة لها أو المتعارف عليها· الحملة التي تنفذها إدارة مظهر المدينة بالبلدية ليست الأولى من نوعها، فقد سبقتها حملات مماثلة سرعان ما تخبو آثارها وتتلاشى نتائجها مع تراخي المتابعة والمراقبة، ليعود الوضع إلى ما كان عليه، بسبب استمرار أزمة السكن· وعندما نتحدث عن أزمة السكن لا نعني فقط قلة المعروض من العيون العقارية، فهناك عشرات البنايات والأبراج والدور السكنية التي تظهر وتدخل إلى السوق· ولكن غالبيتها وحدات'' فاخرة'' أو ''سوبر ديلوكس'' يراهن أصحابها على عقود طويلة الأمد مع شركات كبيرة ودوائر من تلك '' السريعة الدفع'' قليلة الاشتراطات· ويبقى محدودو الدخل والإمكانات من أصحاب العائلات ينظرون إلى هذه الوحدات كما لو أنها في المريخ أو في كوكب آخر ، فلا يجدون أمامهم إلا أبواب أولئك الذين يعتبرون أنفسهم مستثمرين، ممن اتخذوا من العمارات والفلل القديمة وحتى بعض الجديدة ميادين لممارسة نشاطهم'' الاستثماري''، فهؤلاء يقومون بتقسيم المنزل الذي صمم لسكن عائلة واحدة إلى منزل مشوه يصعب التعرف على عدد غرفه· ويفتقر إلى أبسط قواعد السكن الصحي الآمن· ويتعامل هذا المستثمر مع العائلات التي يقودها حظها العاثر إليه، كما لو أنهم ليسوا بشراً· فبعض هؤلاء يقوم بتحويل غرف المنزل إلى ما يشبه بيوت الحمام، ويفرض عليهم نظاماً غريباً في استخدام مكان يطلق عليه مجازا ''المطبخ'' لتشترك في الطبخ فيه تلك العوائل، وهكذا مع بقية المرافق التي يفترض توافرها في السكن· والأمر أكثر مرارة مع الأفراد العزاب، حيث يقوم مستثمرو الغفلة هؤلاء باستثمار حاجة هذه الفئة للسكن، ويحشروهم حشراً في غرف ضيقة، بل وصل الأمر ببعض هؤلاء الى تأجير الأسرّة بالساعة في غرفة فيها ما لايقل عن عشرة أشخاص· وهؤلاء المستثمرون لا يهمهم إذا كانت منطقة استثمارهم للعائلات أم للأفراد، المهم مقدار الربح الذي سيعود عليهم· وأصبحنا نسمع عن عائلات تخاف الخروج من المنزل بسبب حصار الأعين المتربصة بها في الجوار· وظهرت إلى السطح مشاكل وقضايا لم تكن لتظهر لولا هذه الأزمة والمتاجرين بها· إن هذه الظاهرة المؤرقة ليست سوى مظهر من مظاهر أزمة تتطلب جهداً جماعياً لحلها من خلال تشجيع الشركات التي يعمل فيها هؤلاء على توفير السكن لهم، خاصة أن الدولة وفرت تسهيلات عدة للشركات لبناء مساكن لعمالها في منطقة مصفح· كما أن الحملة الميدانية التي تقوم بها إدارة مظهر المدينة بحاجة إلى تواصل إعلامي مع الجمهور المستهدف لتبصيره ، وكذلك تحذير الملاك من مغبة تسليم عقاراتهم لتلك النوعية من المستثمرين الذين يعتبرون أنفسهم غير معنيين بالمخاطر الاجتماعية والأمنية المترتبة التي تحدق بالمجتمع من جراء تكديس البشر في أماكن مقسمة أو إسكان عزاب وسط مناطق العوائل·