تأملت في موقف رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوجان، خلال قمة دافوس حين انسحب من جلسة الحوار وغادر دافوس عائداً إلى تركيا قبل أن تنتهي أعمال القمة إثر تلاسن حاد مع شمعون بيريز على خلفية أحداث غزة، ثم قرأت تصريح السيد عمرو موسى الذي يفسر سلوك أردوجان بأنه انسحاب إداري وليس سياسياً، فلم أقتنع كثيراً بأن رئيس الحكومة التركية لديه موقف عدائي من إسرائيل أو أنه انضم إلى دول الممانعة بقيادة إيران، فهذا أمر لا يمكن تصوره خاصة بعد نشر ذلك الخبر عن توقيع اتفاقية بين الجيش التركي ونظيره الإسرائيلي بقيمة ملياري دولار لصيانة طائرات الـ(ف 14) التركية، لكنني أميل إلى تصنيف السلوك على أنه براجماتية سياسية بحتة، وليس كما قال لي أحدهم وقفة عز وشرف وانتصار لغزة، فأردوجان رجل سياسة وليس رجل شرف لبن تمر هندي، ولا بأس من استعارة خطاب الشارع الإسلامي الحماسي لاختطاف تأييد الشارع التركي لأن تركيا العلمانية رسمياً ما زالت مسلمة وما زالت تنطق الشهادتين وتؤدي الصلوات الخمس وترتدي نساؤها الحجاب الإسلامي بدءاً بزوجة الرئيس جول نفسه! في اللعبة الانتخابية، يحق لليفني أن تنافس نتنياهو على ساحة دماء أبناء غزة، فهذه ساحتهم المتاحة الآن، بعد أن تضاءل هامش العربدة الإسرائيلية في ظل التحولات العالمية ومجيء أوباما الراغب في انتهاج سياسة تغيير أقل عدائية من سياسة سلفه جورج بوش باتجاه العالم العربي، من هنا فقد لا يعني ليفني موت مستوطن هنا ومستوطن هناك وبضعة صواريخ لم تخدش حتى هواء المستوطنات، لكن ليفني السياسية البراجماتية بجدارة عليها أن تستغل الصواريخ الثلاثة لتفجر تصريحاتها النارية هي وباراك طبعاً؛ لأن وراء أكمة إسرائيل ما وراءها، وما وراءها هو انتخابات محتدمة بين ''كاديما'' و''الليكود'' بزعامة نتنياهو الذي مهما حاول أن يكون أقرب إلى الوسطية، إلا أنه بالتأكيد لن يظهر مهاراته أمام شعبه إلا على جثامين شهداء غزة· الرئيس عباس المنتهية ولايته منذ محرقة غزة، ما زال الرئيس الوحيد على الساحة، وهو يكاد ينفجر غضباً على الشاشات دفاعاً عن منظمة التحرير الفلسطينية في وجه تصريحات مشعل الأخيرة، حتى أنه تخلى تماماً عن قبعة الرئيس الديمقراطي المتسامح الحريص على وحدة الفلسطينيين وأعلن بغضب ظاهر أنه لا حوار مع الذين يسعون للقضاء على فتح، يعني بهم جماعة ''حماس''، مع أن منظمة التحرير شبه منتهية بسبب كل الضربات التي تلقتها عبر سنوات ''النضال'' والخلاف والتشرذم الفلسطيني وبحاجة ماسة ومخلصة لإعادة هيكلة وتطوير، لكن عباس البراجماتي الذي يرغب في البقاء رئيساً، عليه أن يستغل هذه الأزمة الطارئة التي قدمها له خالد مشعل على طبق من ذهب ليحولها إلى معركة دفاع مقدسة عن الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ''فتح'' والتي يحاول أعداء الوطن ''حماس'' أن يلقوها في البحر تماماً كما يصرح نجاد في كل مرة لا يجد فيها موضوعاً للحديث بأنه سوف يلقي إسرائيل في البحر· في فترة التحولات الكبرى التي نتابعها ونعيشها هذه الأيام على جميع الأصعدة، يتراجع الاقتصاد كثيراً مترنحاً تحت وقع الضربة العالمية مفسحاً كل الطرقات لسطوع نجم السياسة والسياسيين وبأكثر مما يقتضيه حاجة الناس البسطاء، لكن هؤلاء البسطاء هم أولاً وأخيراً وقود معارك هؤلاء السياسيين خاصة حين تلوح على أبواب البرلمانات معارك خبيثة تسمى الانتخابات لا فرق بين تركيا وبين الصين! ayya-222@hotmail.com