الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

الطاقة النووية ·· خيار المستقبل لإنتاج الكهرباء

الطاقة النووية ·· خيار المستقبل لإنتاج الكهرباء
20 يناير 2008 22:47
قبل 30 عاماً مضت، كان الحديث عن تنفيذ مشاريع إنشاء محطات الطاقة النووية يمثل نوعاً من الإفراط بسبب ارتفاع تكاليفها وعدم جدواها عندما كان سعر برميل النفط يقلّ عن 20 دولاراً· والآن أصبحت ثاني أكبر مصدر للطاقة الكهربائية بعد الفحم الحجري· ويوجد في الولايات المتحدة أكثر من 110 محطات نووية تولّد من الطاقة الكهربائية أكثر مما يولّد مجموع استهلاكها من النفط الخام والغاز الطبيعي ومساقط المياه· ومنذ عام ،1973 وفّرت هذه المحطات على الأميركيين أكثر من 44 مليار دولار مما لو كانت قد استخدمت في توليد الكهرباء التي تنتجها أنواع الوقود التقليدية أو الهيدروكربونية· وتم الاستناد في هذه الإحصائية المهمة على أساس سعر النفط والغاز الذي كان سائداً في ذلك الوقت؛ ولو أعيد إنجاز هذه الإحصائية الآن، وبعد أن ارتفع سعر برميل النفط إلى ما يقارب 100 دولار، لاتضح أن الطاقة النووية أنقذت الأميركيين من كارثة اقتصادية حقيقية· ونشر الخبيران إيلان ليبير وجون ستون تقريراً على صفحات موقع (أوميتش دوت كوم) أشارا فيه إلى أن الاتصال التام بين كل شبكات توزيع الطاقة الكهربائية في كافة أرجاء الولايات المتحدة يعني أن كل مواطن أو مقيم في أميركا يحصل على نصيبه من فوائد استخدام الطاقة النووية· ولعل الأهم من كل ذلك أن الأميركيين يحصلون أيضاً على العوائد الاقتصادية الضخمة الناتجة عن الاستخدام المكثف للطاقة النووية فضلاً عن الفوائد البيئية بسبب نظافة هذا المصدر الرخيص من الطاقة· ويقول الخبيران إنه بالرغم من الشكوك والمخاوف التي أثارتها مشاريع بناء محطات الطاقة النووية من النواحي الأمنية والصحّية في الولايات المتحدة، إلا أن العوائد والفوائد التي نجمت عن استخدامها أثبتت أنها أضخم بكثير من الأخطار التي قد تترتب على استخدامها· ولا شك أن هذه الحقائق لم تعد خافية الآن عن أصحاب القرار السياسي في دول العالم كافة؛ خاصة بعد أن ارتفعت أسعار النفط إلى مستويات تجعل من مشاريع بناء محطات الطاقة النووية خياراً لا بدّ منه· وحتى لو تم العمل على تطوير تكنولوجيات استخدام الطاقات المستدامة النظيفة الأخرى كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح، فإن الحاجة للطاقة النووية تبقى قائمة بسبب القدرة العالية للمحطات النووية على إنتاج الطاقات اللازمة لإدارة عجلة الصناعة وإنارة المدن والتدفئة والتبريد المركزي· ويقدم التقرير إحصائيات مهمة تشير إلى أنه في عام ،1973 عندما فرض الحظر الشهير على تصدير النفط إلى الغرب عقب حرب رمضان بين العرب وإسرائيل، كان النفط يشكل 17% من مصادر توليد الطاقة الكهربائية في الولايات المتحدة فيما كانت الطاقة النووية تقدم 5% من هذه الطاقة· وفي عام 1990 انخفضت مساهمة النفط في توليد الكهرباء إلى 4% فقط مقابل ارتفاع في استخدام الطاقة النووية لتوليدها حتى أصبحت تشكل 21%· وأدى ذلك إلى تخفيض واردات الولايات المتحدة من النفط بنحو 20 مليون برميل سنوياً· ويمكن لإحصائية أخرى أن توضح الأمر بشكل أفضل؛ فمنذ عام 1973 وحتى عام ،1990 وفرت الطاقة النووية على الاقتصاد الأميركي استيراد 4,3 مليار برميل من النفط، وأسهمت في تقليص العجز في ميزان المدفوعات التجاري بمقدار 12 مليار دولار· وهذا الانخفاض في ميزان المدفوعات أدى بالضرورة إلى ارتفاع قيمة الناتج الوطني الإجمالي الذي يعدّ أهم مؤشر للتعبير عن الصحّة الاقتصادية· يمكن تلخيص طريقة عمل المفاعلات النووية بأنها تتكفل بتوليد الكهرباء من تفاعل انشطار اليورانيوم المخصّب وليس من حرق الوقود التقليدي· ولهذا فإن المحطات النووية لا تطلق الغازات أو المواد التي تسيء إلى البيئة· وتوضح الإحصائيات الحديثة أن المحطات النووية في الولايات المتحدة تسهم في تخفيض كمية غاز ثاني أوكسيد الكربون التي كانت ستنتج عن إحراق الوقود التقليدي بنحو 20% أو ما يعادل 128 تريليون طن كل عام· ولولا هذه المحطات فسوف تكون كتلة أكاسيد النتروجين التي يتم إطلاقها في جو الأرض أكبر بنحو 2 مليون طن مقابل 5 ملايين طن من ثاني أوكسيد الكبريت· وكل هذه الغازات تنطوي على الأضرار الصحية والبيئية وبما يعني أن الطاقة النووية تسهم في حماية الناس من الأمراض الخانقة· وما ينطبق على الولايات المتحدة، ينطبق على غيرها· ففي فرنسا مثلاً، تشير الإحصائيات إلى أن معدل مساهمة محطات الطاقة النووية في تخفيض غازات ثاني أوكسيد الكبريت وأكاسيد الآزوت بلغت 71% بين عامي 1980 و1986 عما لو تم توليد نفس طاقتها بحرق الوقود التقليدي· ولولا استخدام محطات الطاقة النووية القائمة الآن في العديد من دول العالم لزاد معدل إطلاق غاز ثاني أوكسيد الكربون في جو الأرض بنحو 1600 مليون طن· وهذه النسبة مهمة لأنها تمثل في الحقيقة 8% من مجمل غاز ثاني أوكسيد الكربون الذي يتم إطلاقه في جو الأرض سنوياً بسبب إحراق أنواع الوقود التقليدي· وخلافاً لكافة مصادر الطاقة الأخرى، فإن النفايات النووية الناتجة عن استهلاك الوقود النووي ضمن المفاعلات، يمكن عزلها تماماً ومنعها من التأثير في البيئة بتكاليف قليلة جداً· وعند حرق الفحم الحجري لإنتاج الطاقة الكهربائية التي تنتجها المحطات النووية فإن كتلة المواد المعدنية الثقيلة السامة سوف تزيد بنحو 90 ألف طن إلى جانب إطلاق كميات هائلة من غازات ثاني أوكسيد الكربون وثاني أوكسيد الكبريت وأكاسيد النتروجين المتنوعة· وبعض هذه المواد الثقيلة السامة تتضمن الزرنيخ والكادميوم والرصاص والزئبق المعروفة جميعاً بتأثيراتها السامة والخطيرة على الوسط البيئي وخاصة عندما تختلط بمياه الاستهلاك للاستهلاك والحيوان· وهناك أكثر من 400 محطة نووية قيد التشغيل في 25 بلداً تولد نحو 17% من مجل الطاقة الكهربائية المستهلكة في العالم· وفي بعض بلدان العالم، كفرنسا مثلاً، يكون لمحطات الطاقة النووية دور أكبر في توليد الكهرباء مما يحدث في الولايات المتحدة· والعديد من هذه البلدان تنشغل الآن ببناء المزيد من هذه المحطات لمواجهة التزايد المستمر في عدد السكان ومتطلبات النمو الاقتصادي· ويشير التقرير إلى أن عدد المحطات النووية التي يجري العمل في بنائها الآن عبر العالم يبلغ 83 · محاذير وأخطار تثبت خلاصة التجارب العملية والميدانية التي تم التوصل في كافة البلدان التي تعتمد على المحطات النووية في إنتاج الطاقة الكهربائية، أن أمن تشغيلها واستغلالها يتطلب كمّاً هائلاً من الإجراءات والتقنيات المعقدة المتعلقة بالأمن والسلامة· ويعود ذلك إلى أن أي خطأ أو هفوة أو فعل مقصود أو غير مقصود قد يؤدي إلى كارثة حقيقية على البيئة والبشر وبقية الأحياء في مساحة واسعة من الأرض· وغالباً ما تتعلق أفدح الأخطار في المحطات النووية بتعطل أنظمة التحكم بنظام التبريد أو بنظام توليد الطاقة من قضبان الوقود النووية مثلما حدث في حادث محطة (ثري مايلز آيلاند) في الولايات المتحدة عام 1979 وكارثة مفاعل تشيرنوبيل في الاتحاد السوفييتي السابق في شهر أبريل من عام 1986 · وبعد أحداث 11 سبتمبر من عام 2001 في نيويورك، أضيفت إلى هذه المخاوف دواعٍ جديدة للقلق من احتمال تعرض المحطات النووية لهجمات الإرهابيين أو استخدام المفاعلات النووية في صناعة الأسلحة النووية؛ وهذا هو السبب الذي يصعّد مخاوف الدول الغربية من المحطات والمنشآت النووية التي يتم بناؤها في إيران· وبشكل عام، يمكن القول إن حوادث المحطات النووية أقل خطراً بألف مرة من حوادث الطائرات؛ وإن فوائدها هائلة بمقياس انخفاض التكاليف وقلّة التأثير على البيئة· حادث (ثري مايلز آيلاند) تقع محطة (ثري مايلز آيلاند) للطاقة النووية في جزيرة تحمل نفس الاسم؛ وهي تجاور نهر (سوسكيوهانّا) بولاية بنسلفانيا الأميركية· وتتألف من مفاعلين يعملان بتقنية الماء المضغوط· وبدأت المؤشرات الأولى للحادث الشهير والخطير الذي شهدته يوم الأربعاء 28 مارس عام 1979 عندما ارتفعت درجة حرارة قلب المفاعل رقم 2 حتى انصهر تماماً· ولم يؤدِّ الحادث إلى وقوع ضحايا على الإطلاق بالرغم من أنه لا يزال يعدّ أخطر حادث نووي في التاريخ· وأثار الحادث جدلاً كبيراً بين كبار أصحاب القرار السياسي في الولايات حول ما إذا كان من الضروري إخلاء المناطق الشاسعة التي تحيط بالمفاعل من سكانها؛ إلا أنهم قرروا التخلي عن هذا الإجراء بعد خمسة أيام عندما تمكن الخبراء من السيطرة على الموقف غلق المفاعل تماماً· واتضح فيما بعد أنه ما من أحد من السكان الذين يعيشون قريباً من المحطة ويبلغ عددهم 25000 أصيب بأي ضرر· ولقد أثار هذا الحادث الكثير من المخاوف في الولايات المتحدة حول خطورة المحطات النووية وجدوى بنائها خاصة وأن سعر برميل النفط الخام لم يكن في ذلك الوقت يتعدى 20 دولاراً· ولا شك أن هذا المخاوف تكون قد تبددت الآن تماماً مع الارتفاع المتواصل في أسعار مصادر الطاقة التقليدية· (أنجرا-2) المفاعل المثير للجدل في عام ،1998 ثار جدل كبير في البرازيل حول مدى الأخطار التي ينطوي عليها مفاعل (أنجرا-2) للطاقة النووية عقب انتهاء العمل فيه وبعد أن تكلف بناؤه بضعة مليارات الدولارات· وكانت الحكومة البرازيلية اتخذت قراراً بإيقاف العمل فيه قبل ذلك بعشر سنوات بالرغم من أنه كان على وشك الانتهاء بدعوى الارتفاع الكبير في التكاليف التي تجاوزت الحدود المتوقعة، وأيضاً بسبب الخوف من افتقاره إلى عناصر الأمان والسلامة· وبعد دراسات مفصلة لجدوى المشروع، تراجعت الحكومة عن قرارها وأمرت باستكمال العمل فيه بالرغم من الأصوات الناقدة والمعارضة التي تعالت عقب اتخاذ القرار الجديد· وكان الاحتجاج الرئيسي لمنتقدي المشروع يتعلق بموقع المفاعل الذي اختير له شاطىء خليج ضيّق يقع إلى الغرب من العاصمة ريودوجانيرو ويجاور إحدى ضواحي مدينة (أنجرا)· وقدم المعارضون قرائن جيولوجية ثابتة تشير إلى أن الجسم الرئيسي للمفاعل ذا الشكل الأسطواني مبني فوق طبقات صخرية غير متماسكة وليس فوق طبقات صخرية مستقرة، مما يعرّضه لخطر التصدع والانهدام عند حدوث هزّات أرضية خفيفة؛ وقد لا يتمكن من الصمود حتى في وجه العواصف أو الأعاصير· إلا أن المفاعل لا يزال يعمل الآن بكامل طاقته ودون أي قصور يذكر· ولا يشك الخبراء الآن في أن الطاقة النووية هي الخيار الأكثر أهمية لحل مشكلة الحاجة المتزايدة للطاقة في المستقبل؛ وهي التي ستضمن وقف التدهور الكبير الذي تشهده بيئة الأرض·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©