الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اضطراب سلوكي أسري المنشأ

اضطراب سلوكي أسري المنشأ
26 يناير 2009 00:19
وجدت نفسي أمام مجموعة من المراهقين يلاحقون ثلاث فتيات في عمر المراهقة أيضاً في أحد المراكز التجارية، وأخذوا يتعقبونهن من مكان إلى آخر، ويهمسون إليهن في كلمات غير مسموعة بطبيعة الحال، حتى اضطرت الفتيات الثلاث دخول أحد المحال التجارية للاحتماء بمن فيها، إلا أن أحد المراهقين قرر فيما يبدو أن ينهي بنفسه المسرحية الهزلية، أو أن يكون هو أحد أبطالها، واقترب من إحدى الفتيات، وحاول ''عنوة'' وضع ورقة صغـــيرة في كيس بلاستيكي تحمله إحــــداهن، فنهرته صارخة، فسقطت الورقة الصغيرة على الأرض، والتقطها العامل الموجود في المحل وتفحصها سريعاً وألقاها في صندوق القمامـــة· اقتربت من المراهقين الثلاثة، وحاولت أن أفهم منهم بشكل مباشر تبريرا لما يفعلون، والهدف من وراء مثل هذه السلوكيات· تحدث المراهقون الثلاثة بصراحة، وطلبوا عدم ذكر أسمائهم: الشاب الأول''م ·ح ·س·20 سنة- طالب'' قال:'' كان الشباب يغازلون قبل ذلك بالنظرات ولغة العيون والتلميح أو قول الشعر، لكن الدنيا تغيرت وأصبح الغزل بالرسائل والهاتف، وتبادل أرقام الهواتف''الترقيم''ومع ظهور خاصية إظهار الرقم حدثت مشاكل كثيرة للبعض، ثم حدث تقدم آخر وتعددت الطرق وصار المغازل يعتمد على الموبايل والإيميل والشات والمسجات والبلوتوث والتلفزيون، لكن أحيانا نعاني وقت الفراغ، ونستمتع بالمغازلة المباشرة وخاصة عندما أري فتاة مظهرها يشجع على التحرش بها''· الثاني''خ·ح·ع- 19 سنة- طالب'' أيضا يرى أن المغازلجية عادة يجلسون في ''الكافيهات''في المراكز التجارية وينظرون إلى''بنات الحلال''وهم ''يبحلقون'' في''اللي رايح واللي جاي''ويعلقون فيما بينهم على كل امرأة تمر من أمامهم ، ويطلقون التعليقات، و''البلوتوث'' مفتوح لاصطياد أي رقم، و يتحركون عندما يجدون فتاة تلفت الانتباه بمشيتها ونظراتها وملابسها، وقد ينجحون في التواصل معها، أو ينتهي الأمر دون تحقيق هدف''· أما الثالث''ع·ف·18سنة- طالب'' فيقول:''نحن نضيع الوقت ونتسلى، ولا نتحرش إلا بالفتاة التي تشجعنا على ذلك، وهناك كثير من الفتيات اللاتي يبدأن بالتحرش ولو بكلمة أو إيماءة أو نظرة نفهمها، والعملية تبدأ بالنظرة الأولي ثم الملاحقة التي تحتاج الجرأة أحيانا والصبر، ومن ثم''الترقيم'' أو الكلام المباشر، والمواعيد والهدايا والكلام الحلو وأشياءً كثيرة''· مصالح وحظوظ تعلق ريم سند ''طالبة جامعية'' قائلة :''عندما تسأل أحد الشاب ممن يحترفون''المغازلة''وتقول له ''هل تقبل أن يغازل أحد الشباب أختك أو قريبة لك أو أن يفعل معها كذا وكذا··؟'' يرد بثقة أن أخته شريفة ونظيفة و''ما ترمس'' مع الشباب، وما تطلع من البيت''! وهناك كثير من الشباب يغازلون من أجل مصلحة، فأحياناً يبحثون عن'' بنت عز وحالتها زين''، فإنها ستدفع فواتير الهاتف وتشتري الهدايــــا أو تدفع أحيانا الأقساط المتأخرة، وكل واحد وحظوظه، ومعظم الشباب يعطونهن أسماء مستعارة في البداية تجنباً للمشاكل وكذلك الأمر بالنسبة لبعض البنات، ولا سيما في النت أو التعارف العابر لكن الكذب دائماً نهايته قصيـرة، وهي ظاهرة تدلل على سوء التربية، وضياع القيم والأخلاق، وضعف الوازع الديني، ووجود فراغ هائل لم يتعلم الشباب كيفية استثماره بشكل نافع· وتقول سهى رشيد ''موظفة علاقات عامة - 26 سنة'':''لا أعتقد أن خروج المرأة أو الفتاة إلى العمل أو إلى الأسواق، ونحن نعيش في مجتمع يحترم القيم ويحترم المرأة، أن يكون مبرراً لتحرش الشباب المتسكع في الأسواق والأماكن العامة بالفتيات والنساء، وإذا كان البعض يرى أن مظهر الفتاة، وحشمتها أو تبرجها قد يحد أو يمنع أو يشجع على مثل هذا السلوك، فكيف نفسر التحرش بالنساء المحجبات اللاتي لا يظهر منهن شًيء سوى أعينهن فقط؟''· وتجيب سهى رشيد: ''إن مثل هذا السلوك يرتبط بشكل مباشر بنمط التربية والتنشئة الاجتماعية في الأسرة، ولا أظن أن مثل هؤلاء قد تربوا على قيم العيب، ولم يعرفوا بالتأكيد معنى لاحترام الأنثى، ومدى الألم الذي يسببه لها من جراء هذه التصرفات الصبيانية غير المسؤولة''· وتضيف صديقتها رضوى عارف ''24 سنة - سكرتيرة'' قائلة: ''أعتقد أن النماذج التي تتحرش بالفتيات في الأماكن العامة أو العمل، إنما قد عانت من الكبت والحرمان، ولا تنظر إلى الفتاة أو الأنثى إلا من زاوية واحدة، وغالباً أن هؤلاء قد حرموا من فهم العلاقة الصحيحة بين الجنسين، ولم تتح أمامهم فرص تكوين فهم صحيح عن المرأة، أو العلاقات الإيجابية بين الشاب والفتاة، ولا يعلمون أن هذه السلوكيات هي سلوكيات محتقرة ومرفوضة، وتسبب اتجاهات عكسية تماماً عند الفتاة، فأغلب الفتيات يستهوينهن الشاب العاقل الرزين، الذي يتصف بأخلاق جيدة وسلوك منضبط لا ذلك الشاب المستهتر الذي يقضي معظم وقته في ملاحقة الفتيات بالأماكن العامة، ولا يدل سلوكه إلا عن سوء تربية''، لكن يجب الاشارة إلى أن النماذج المنحلة أخلاقياً من الفتتيات واللاتي يسايرن ويشجعن الشباب بالتجاوب مع مثل هذه التصرفات، هو ما يدفع ويشجع هؤلاء إلى القيام بمثل هذه التصرفات الحمقاء''· تجنب المشاكل وترى هبة الدرمكي ''طالبة جامعية'' أن معظم الفتيات أو النساء اللاتي يتعاملن مع تحرش الشباب بهن بسلبية وسكوت يرجع إلى حرصهن على تجنب المشاكل، وعدم الرغبة في إثارة المشاكل والفضائح في مكان عام، ولاسيما أن المجتمع دائماً يضع الأنثى موضع شك وريبة وإدانة، فهي ليس من حقها أن تستمتع بحريتها، وأن تذهب وتخرج كما يحلو لها، أو إلقاء اللوم على شكلها وهيئتها أو منظرها وملابسها وكأنها السبب الوحيد، ومن ثم فإن البعض منهن يفضل الصمت أو السلبية، مما يشجع ضعاف النفوس من المراهقين أو الشباب على التمادي في هذه التصرفات المشينة، والبعض منهن يؤثرن السلبية حتى لا تضر بسمعتها، وتضيف: ''أنا ضد من يقول إن القناة عليها أن تلزم بيتها، أو أن تظهر بمظهر المسترجلة حتى تحمي نفسها من هذه التحرشات، فالزمن قد تغير، وعلى المرأة عامة أن تواجه بحزم وجرأة مثل هذه السلوكيات المرفوضة حتى لا تتيح للمستهترين المزيد من فرص التفكير لتكرار هذه التجاوزات''· أما زميلتها موزة عبيد فلها رأي آخر وتقول: ''ليس من الأهمية أو من الجائز أن تتنازل الفتاة عن أنوثتها ومظهرها خوفاً من وجود شباب ورجال، فمن الطبيعي أن يتقبل الرجل المرأة كما هي على أنها شيء طبيعي، لكن بعض المنحرفين أو الذين يمكن وصفهم بالمرضى النفسيين يتعاملون مع الأنثى على أنها شيء مختلف، أو أنها صيد أو فريسة يمكن النيل منها· وإن لم يتمكن فيؤذيها بالكلمات الجارحة، أو الملاحقة والمضايقة، وليس من الجائز أن نحرم أو نقيد حرية الفتاة لمجرد الخوف من تحرشات الرجل، فلسنا في مجتمع غابة، هناك قيم وعادات وتقاليد وأخلاق لا يجب أن نتجاوزها، إنما على الفتاة في الجانب الآخر أن تراعي تقاليد المجتمع ومساحة الحرية المتاحة، وعليها أن تخرج بشكل لائق وغير مستفز للشباب والمراهقين حتى يعتادوا على أن الأنثى وهم تحافظ من جانبها على مشاعرهم أيضاً''· أمور تافهة يشير صالح النعيمي'' موظف- 26 سنة'' إلى أن الشباب ''المغازلجية'' يعانون من اضطرابات نفسية نتيجة عدم قدرتهم بناء علاقات طبيعية مع الجنس الآخر، وتدني مستوى التربية، وهذا دفع الكثير منهم إلى الاهتمام بعادات وأمور تافهة أصبحت ظاهرة دخيلة على المجتمع مثل الولع بالأرقام المرتبة المتسلسلة للهواتف والسيارات، وتركيب المخفي والستائر على السيارات، والنغمات والأغاني الهابطة، والتسكع في الأسواق بلا هدف، وأدى بالفتيات إلى إدخال أشياء جديدة على العباءة التقليدية أوالنقاب وكل هذا أدى إلى ارتفاع أسعار الكماليات وفواتير الهواتف، وانتشار الثقافة الانحلالية في المجتمع، فنرى شابا مستعدا لشراء فستان أو موبايل أو ساعة فاخرة لفتاة تستغله ويبدي كرماً حاتمياً لتسديد مستحقات عليها، وفي المقابل نراه غير مستعد لشراء كيس خبز لأسرته!''· كلمات إيحائية من المظاهر السلبية الملفتة للانتباه والتأمل، والتي انتشرت بشكل ملموس أشبه بالوباء بين أوساط الصبية والمراهقين والشباب من الجنسين ، في تقليد سطحي وأعمى للثقافة الغربية الدخيلة الوافدة على مجتمعاتنا، هي طباعة صور إيحائية مثيرة، أو كلمات وعبارات سفيهة مبتذله على ملابس الشباب، وعبايات النساء بألوان براقة لجذب الانتباه، مثل'' Follow me'' أي''إلحق بي ''أوlove you only أو''is me''، وغيرها من عبارات الإثارة والاستمالة التي تغري المراهقين بالمغازلة والمعاكسة والتحرش، وأحيانا الحرف الأول من الاسم أو اسمها المستعار أو اسم القبيلة، ولعل قصة الفتاة التي كتبت على عباء تها'' أتحداك تلمسني! ''لا يزال عالقا في الأذهان، ويفرض سؤالاً مهما ''أين أولياء الأمور، وأين دور الأسرة؟
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©