''إنه لتختفي وراء شَعْري الشاب/ خَلْفَ معالم محياي/ شيخوخة قاسية/ شيخوخة عاجَلتْ نفسي قبل أوانها/ فَنَاءَ بها كاهل رطب ضعيف''· كاتب هذه السطور هو شاعر صاحب كتابة انتحارية، مندفعة اندفاعاً يكاد يكون فطرياً نحو الموت· لقد حدث ذلك بالفعل لطالب مصري في جامعة الأسكندرية، في قسم اللغة الإنجليزية، ذات يوم من أيام مايو ،1945 حيث وُجد محمد منير رمزي جثة هامدة في منزله، بعد أن أطلق النار على رأسه من مسدس، الى جانبه ورقة كُتب عليها عبارات بخط يده، تسلمها وكيل النيابة العامة، اطلع عليها ادوار الخرّاط كشاهد، وكشفها لنا بعد أكثر من نصف قرن· وكان الأمر بكامله سينطوي بهدوء، وينطوي الموتى معه مع أسرارهم، لو لم يكن الأمر أخطر من عبث الفناء المكرر، فقد جاء من يكشف الغطاء عن الحكاية بكاملها كشفاً إبداعياً، ويقول: انتبهوا·· الذي انتحر (واسمه منير رمزي) شاعر، بل عاشق يائس وانتحر لأنه لا يليق بالعاشق سوى الموت· كتب الخراط في آخر يومياته في المقدمة/ الشهادة التي سجل من خلالها جزءاً من سيرة رؤيته للشاعر المنتحر، صاحب نصوص ''بريق الرماد'': ''أخرج وكيل النيابة الملف الذي أمامه وأخرج ورقة عرفت فيها خط منير على الفور، لكن الكتابة كانت مهوّشة قليلاً متناثرة وغير مكتملة، في الورقة اسم بدوي ثلاث مرات، واسمي عدة مرات، وأمامه ''أصيب بالجنون المطبق''، وعلى الشمال في أعلى الورقة، بخط كبير مفرغ مجوف ومعتنى به ''أنا هارب'' وتحته خط مقوس تنبثق منه وتعدو عليه أشعة من خطوط متشعبة منفرجة في نصف دائرة غير كاملة، وبخط أقل عناية ''من الشقاء المطبق'' وعلى اليمين كلمات مضطربة غير واضحة تماماً بالإنجليزية ''كل واحد يجب أن يفكر فيما هو غير المعتاد'' وفي وسط الورقة بالإنجليزية أيضاً ''كان ينبغي أن أفكر في أن ذلك غير مقبول، كان ينبغي أن أفكر···'' وتحتها الى اليسار: ''وعلى هذا النحو كان مستطيعاً أن يهرب··''· رد وكيل النيابة الورقة الى الملف· حفظتُ شكل الورقة والكتابة، وأعدت تشكيلها بخط ل كما رأيتها تماماً· كل واحد يجب أن يفكر فيما هو غير المعتاد'' (ادوار الخراط 7 مايو 1992)· بين يدي، إذن، كتاب اسمه ''بريق الرماد''· نصوص شعر لشاعر عاش قليلاً في الاسكندرية ما بين 1925 و1945 كتب نصوصاً تأملية نتيجة حب يائس، لم ينشرها في حياته، اسمه منير رمزي، تركها بين يدي صديقه ادوار الخراط،·· الذي نشرها عام 1997 بعنوان ''شهادة في يوميات''· قد يكون جزء من صنيع الخراط، ينتسب إلى المخيلة أو التركيب القصصي أكثر من انتسابه للذاكرة التسجيلية، لجهة أسماء بعينها وتواريخ يوميات محددة، أو مع الروائي نفسه·· إلا أنه هو نفسه يؤكد ما رمينا إليه من ابتكار أشخاص وقصائد من أجل حكاية، حيث يسجل التالي: ''الشهادة في ''يوميات قديمة وحديثة'' التي أعيد نشرها هنا مع تعديلات طفيفة جداً، بعد أن نشرت في سياق روايتي ''رقرقة الأحلام الملحية'' (وهي رواية لعل أحداً لم يقرأها في مصر، نشرت في بيروت، وتخطاها النقد في مصر···)·