بما أن هذا العام هو ''عام الهوية الوطنية'' يتطلب منا الموقف أن نكون مخلصين للوطن حتى عندما نكون في مراحل التغييب واللاوعي وخارج حدود ونطاق أجسادنا وعقولنا· علينا حب الوطن بروحٍ يميزها الضمير الذي لايجب عليه أن يكون مبنياً للمجهول أو مقدراً بأسماء الإشارة· وأن الأعمال الإنسانية والانخراط فيها سواء بالتطوع بالدم والوقت والممتلكات المادية والفكرية أو بالمساندة المعنوية لها مردود أكثر ما يكون كالزبيبة التي وصف ميزتها المثل الشعبي بأنها ''ماتشبع لكنها تطيب الخاطر''· ولقد كانت مبادرة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي في الأواخر المقدسة من شهر القرآن مذكرة بأن هناك من لا يقتدر العيش على أبسط ما يصون الكرامة ويحفظ الكبرياء ويواكب العصر· ولعل ما يقترن بذلك أيضاً له علاقة مباشرة بتأثير تلك الرفاهية التي نتباهى بها؛ علينا كبشر وكدولة تطمع بالنهوض بنا إلى مستويات شاهقة وسابقة لاحداث اليوم وتوقعات الغد ولكن تفسح مجالاً للعطاء كما هي العبرة الالهية من شهر الصيام· لقد لعبت هذة الحملة دوراً خيالياً في فرز وتحليل مجتمعنا الذي لاتجمع أفراده سوى فرص العمل وتعاملات الأفراد في أوقات التسوق وتفاعلهم بمن ربط دم القرابة بينهم· ويعاني بعض مثقفي النخبة من ظاهرة شائعة بين أفرادها ذكرها كاتبنا القدير جهاد فاضل ذات مرة ألا وهي ''انفلونزا الغرور''· فكيف نصالح بين أنفسنا وما يتطلبه وطننا عندما يكون كبرياؤنا أكبر من إخلاصنا وغير قابل للتفاوض؟ وشغلتني فكرة يتيمة كيف لهؤلاء المقدرة على الرسم بالكلمات ودراسة المجتمع و ليس لديهم فهمٌ كافٍ بالإنسانية التي تجيش بتلك المشاعر الملهمة والتصورات الفائقة إبداعاً وحضوراً؟ كيف لأحدهم تصور أي تجانس وتطابق وسجع وكناية ولا يتطرق للروح ومايصون عفافها· وفكرت في هؤلاء كاخوة وأصدقاء وزملاء عمل فأيقنت من عباراتهم وتعابيرهم المختارة أنهم على يقين بأن حل قضية الشرق الأوسط في متناول أيديهم وأنهم عمالقة في عيون أنفسهم وأن إنجازاتهم تفوق الحاضر فهم من جيل لم يولد بعد وهم أيضاً وحدهم القادرون على رصد ثقوب المجتمع وانتقاد أفراده ومعطياته ومن دونهم يكون العالم جثة هامدة في سبيلها إلى التحلل والعدم· أيها السادة، فليذكر هؤلاء وسواهم ماقاله سليمان الحكيم: قبل الكسر الكبرياء· وقبل السقوط: تشامخ الروح·