تأخذنا المشاعر بعيداً حين نندفع نحو ما نعتقد أنه جمال ولا نلتفت لأي شيء يمكنه أن يعكر هذه المشاعر، إنها تغير يومنا إلى درجة أن كل شيء يكون فاتناً وجميلا، وكذلك تفعل الفكرة حين تسكن كحقيقة في الرأس ثابتة لا تتزحزح أو تنشطر· وعند الحد الرائع للمشاعر في وجداننا وقلوبنا، حيث يكمن الشعور في القلب ودفء الروح، نعتقد أن الفكرة جميلة وأنها حقيقة يمكنها أن تكبر وتتنامى كأنها المطر الذي يغسل الأرض ويروي الشجر والروح، حيث الفكرة دائما هي المركز الذي يحرض كل الأداء البشري: الكلام والأكل والشرب والحب والصداقة والكتابة والقراءة ونطق اللسان مع الآخرين دون حذر أو ريبة، تدفعنا الفكرة نحو ما نعتقد جمالا وبها تنتفي اشتراطات في الحياة وفهم الحياة· الفكرة تلك التي انطلقت في سنوات العمر وتجسدت في خلايا الوعي، واخضرت عند مرحلة مهمة من مراحل حياتنا، يأتي أحيانا عليها الغبار وتصفر أوراقها وتميل أغصانها إلى حد التقوس فنحدق في تفاصيل تلك الفكرة، في مشهد حياتنا وتكويننا وإيماننا وثقافتنا وفكرنا، لنجد أنفسنا في مأزق كبير، نغرق بعد أن نصطدم بالجدار وتنهار كل الأشياء التي نمت معنا، تتهشم وتسحقنا في العمق وتهز أرواحنا وبقايا الأمان لدينا، ذلك حين نكتشف أن الأنهار التي في داخلنا قد جفت ولم يعد الماء يغسل أرواحنا في حالة الضجر، وأن الجوع إلى إرواء الفكرة لم يعد جوعا، بل هو ألم يزلزل كياننا، ذلك لأنه يحدث في هذا التيه أن تموت الفكرة ولم يعد الإيقاع منضبطاً في كل تفاصيل حياتنا وتقاسيم الجسد وصفاء البصر· ولكن ماذا نصنع عندما تموت الفكرة؟ نضعها جانباً ونحترمها كجزء من تراث حياتنا ونغادر إلى الأجمل، فعندما تموت الفكرة نتألم كثيراً ونحتاج إلى زمن كي نصحح المعنى، كي ننهض ونغسل الروح والقلب لنخرج من الظلام الذي اعتقدنا أنه النهار، علينا أن نمر من نفق الموت، أن نشحن النفس والروح والعقل بالأمل، أملا جديدا يضعنا على سطح الماء ونجدف نحو شروق الشمس، وعلى القلب أن يشرع أبوابه للضوء القادم من فكرة جديدة هي أكبر من الخذلان والتفاصيل العادية جدا· فكرة تعيد اتزان الروح وصلابة ورقة وجمال القلب كي لا يموت هو أيضا·