الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أين علاقات الجيرة ؟

14 يناير 2009 00:36
قرأت ذات مرة، أن رجال الشرطة في إحدى الإمارات الشمالية عثروا على جثة رجل ميت في العقد الأربعيني من عمره بعدما قتل نفسه شنقاً نتيجة ظروف مادية ونفسية قاسية كان يمرّ بها، كما اكتشفت الشرطة لاحقاً من خلال إفادات المقربين منه· أما كيفية العثور عليه، فكانت إثر تلقي الشرطة لبلاغ من بعض سكان البناية يُفيد بانبعاث رائحة كريهة للغاية من إحدى الشقق السكنية! القصة عادية، تحدث في كل مكان، حسبما نقرأ في الصحف ونشاهد في الأفلام، لكن·· أليس غريباً حدوثها في بلد عربي؟ بمعنى أكثر تحديداً: انبعاث الرائحة لا يحدث إلا بعد مرور عدة أيام تتحلل الجثة خلالها، فهل من المعقول ألا يخطر في بال أحد من أهله أو زملائه أو أصدقائه أو جيرانه أن يسأل عنه لعدة أيام؟ ألم يفتقد أحد غيابه؟ ثمة ظاهرة لافتة للانتباه في الإمارات عموماً، وهي غياب علاقات ''الجيرة''، إذ ترى واحدنا مقيماً في برج سكني ضخم يحوي مئات الشقق لعدة سنوات، لكنه لا يعلم من يسكن في الشقة التي تُجاوره تماماً··! وهذه الحال تنطبق علي أيضاً على الرغم من أني أعيش مع عائلتي!! الإنسان كائن اجتماعي في طبعه، فكيف يُمكن له أن يعيش وحده، من دون أية علاقات اجتماعية؟ كيف يمكن أن يأتي المرء من بيئة يكون فيها اجتماعياً بامتياز ولديه علاقات لا حصر لها، ثم يتحول إلى كائن شبه منعزل لا همّ له سوى تحصيل المال بحجة ''الغربة''؟ بل السؤال الذي يطرح نفسه لاحقاً: هل يتغير الإنسان في الغربة فعلاً؟ إذا كان نعم: فلِمَ يكون التغيير سلبياً في معظم الحالات؟ وإذا كان لا: فلِمَ يقول بعضهم إن الغربة لا تُغيّر أحداً، لكنها تُسقط القناع الذي يضطر واحدنا لأن يضعه في بلده خوفاً المجتمع هناك؟ من المؤكد، أن الغربة تكشف معادن الناس، لكنها لا تغير أحداً بالتأكيد، قد تُحدث ''تعديلات'' في شخصيته لكن ليست ''تغييرات'' لأنه من ''شبّ على شيء شاب عليه''· صحيح أن ضغوط الحياة في الغربة تكون أكثر صعوبة منها في الوطن الأم، وصحيح أن المنافسة في الغربة تأخذ أشكالاً غير شريفة، وصحيح أن العلاقات المادية تحكم معظم المدن الكبيرة في العالم حيث لم تعد العاطفة الإنسانية موجودة في أجمل صورها إلا في القرى الصغيرة والأرياف، لكن··· كلّ من يعيش راضياً بنمط حياته الحالية- عمل ونوم وترفيه عن النفس في أماكن لا علاقات حقيقية فيها- ينبغي أن يُفكر فعلاً بسؤال واحد فقط: ليتخيّل نفسه في بيته وقد أتته أزمة صحية طارئة قد يموت في إثرها- جلطة مفاجئة مثلاً- فهل يُفضّل أن يكون بعض من أصدقائه من حوله أم··· يُفضّل أن يكون وحده، فيشتكي الجيران من رائحته بعد أيام؟! وعذراً لقساوة السؤال، لكن الأمر يحدث! ديالا وردة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©