خرجت الليلة قبل الماضية من مقر الصحيفة باتجاه إحدى الجمعيات الاستهلاكية لشراء حليب، وجدت الأرفف خالية، توجهت الى ثانية ولم يكن الحال يختلف عن الاولى، وذهبت الى ثالثة وخرجت منها خالي الوفاض، الى أن وجدت ضالتي في محل صغير وبنوعية وكمية أقل مما كنت أريد· ولما كنت خارجاً من عملي وأصداء ما جرى بين البحرية الأميركية والإيرانية في خليج هرمز مسيطرة على تفكيري، فقد اعتقدت أن البعض من اصحاب النظريات المسبقة، وهم كثر، قد سبقني الى الأرفف، قبل أن أستوعب أن الأمر له علاقة بالمناورات التي أصبحت تجيدها الشركات المنتجة والمنتجون قبل رفع أي سلعة تخصهم، كما أصبحت الجمعيات التي تزعم أنها ''تعاونية'' متواطئة معهم· وتهيئ الجمهور نفسيا لتلقي صدمة رفع الأسعار من خلال تعويده على مشاهد الأرفف الخالية، ورفع لوحات الاعتذار، وهي كما دموع التماسيح· وفي اليوم التالي يتم وضع السلعة المطلوبة بالسعر المطلوب، وعلى الجمهور الاستسلام أو الاستعانة بـ''يواني'' الحليب المجفف الذي توزعه منظمات الإغاثة في مناطق الكوارث· الواقعة الجديدة برفع أسعار الحليب ومشتقاته والعصائر بنسبة تزيد عن العشرة في المئة، تؤكد ما ذهبنا اليه من قبل بأن اللجنة التي عولنا عليها كثيراً في وزارة الاقتصاد قد تحول دورها الى تبرير الزيادات التي تطلبها هذه الجهة أو تلك من المنتجين أو الموردين، ومن ثم إجازتها، وما على المستهلك المغلوب على أمره إلا الرضوخ والإذعان، فالخيارات المتاحة أمامه محدودة أو هي في حكم المنعدمة· والقضية في المحصلة الاولى والاخيرة تتعلق بإخفاق هذه اللجنة في حماية المستهلك من حالة ''التأزيم'' التي نسجت حوله بإحكام جراء جشع مستثمري الأزمات والذين يثرون من ورائها، بحجة أن الغلاء عام وشامل، والمسألة عبارة عن حلقة مفرغة ومتصلة ترتفع اسعار الوقود والايجارات لتلهب أسعار بقية الاشياء· لقد أصبح عامة الناس على قناعة بأنه بدون تدخل حازم وجاد من جهات الاختصاص، سنبقى أسرى مناورات الأرفف الخالية إياها حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا·