منذ البدء قالت هيئة أبوظبي للثقافة والتراث: نريدها ثقافة إنسانية تضع شتات العالم في بوتقة الثقافة للجميع، فدارت العجلة محتفلة بالإنسان، محتفية بثقافة متلفعة بهمومه وطموحاته وحاجته إلى فكر يمنح الروح غصنها الفارع اليافع، لتحلق في الفضاء الرحب، وتبوح للعالم بنشيد إنساني لا تشوبه شائبة التعصب، ولا تظلله ظلال الترهب، هي ثقافة الإنسان بفطرته وعفويته والجبلة التي جاء بها ونما على أعقابها وسار على دربها· ومن يقرأ اليوم المشهد الثقافي في العاصمة أبوظبي، يلمس تلك الخيوط الرفيعة الدقيقة التي تفتل نسيجها، برؤية ثاقبة وبصيرة ناقبة، وتمضي قدماً تقتفي أثر الحالة الراهنة للعالم وما فيه من صخب ثقافي مدوٍ، وحدب فكري مفتوح باتساع الأنهار والبحار، ويعلو كعبه إلى أن طال الجبال الشواهق· خطوات محسوبة ومدروسة بتأنٍ واتزان، تضع هيئة أبوظبي للثقافة والتراث في مقدمة الفرسان والجياد، تسير بلا توانٍ ولا التفات إلى الوراء، لأن المضي في المقبل يضع الأقدام على أرض صلبة، وخصبة ويمنح العيون بريقاً، يسهل على المرء قراءة المشهد، بوضوح أوضح من ضوء الشمس المشرقة· وبهذا الفعل الثقافي والتفاعل الإبداعي نجد أنفسنا أمام حراك يحيي العظام الرميم، في هذا العالم المكتظ بالأزمات والنكبات ولأن الهيئة آمنت بقيمة الثقافة كشريان القلب، فإنها أشارت بالبنان بأن الحلم الإماراتي لا تكتمل فصوله إلا بثقافة حية نابضة بالحياة، ولهذا فإن هذا الكتاب المفتوح المسطر بالحكاية الإنسانية، لا يغلق دفته إلا على إشباع بعد إقناع، بأن الحركة المعرفية هي الصد وهي الحد وهي السند للمعجزة التي نبتت على هذه الأرض، وهي الطريق الوحيدة التي تؤدي إلى ارتفاع القامة، وانبلاج فجر لا يغشيه ضباب، ولا يغثه سحاب، الأمر الذي يجعلنا نقول: طوبى للذين يعملون ولا يكلون، من أجل غايات الشرف الرفيع، والذين يهتفون لبلادنا باسم ثقافة تصالحت مع النفس من أجل الوصول إلى الآخر بروح إنسانية بيضاء ناصعة كبياض قلوب أهلنا وناسنا· هذه هي ثقافة التأسيس وثقافة النهار، الذي يبدأ بحصاد يهب للعباد أوسمة الحياة ومنارات الاجتماع على كلمة سواء توحد العالم من أجل الحب، ومن أجل جيل مغتسل من أدران الانطواء والانكفاء، والخواء من أجل جيل يعي جيداً أنه لا يعيش على هذه التضاريس وحيداً، بل إن الكون يجمع العالم، وخلق هكذا ليكون خيمة واحدة، تلف لفيف الناس أجمعين بلفافة التعاون والتكافل، والتعاضد ولأجل فضاء مشرق بأقمار لا تخفت أضواؤها، ونجوم لا تنطفئ أنوارها·· هذا هو الحب الذي يريده العالم وتتمناه القلوب·