السبت: تخرج امرأة من بيتها الطيني في أعالي الجبال وتنزل للمدينة الزجاجية بحثا عن أبنائها الذين ضاعوا في زحمة الضجيج واختفت ملامحهم في انعكاسات المرايا وصاروا يشبهون الأغراب في المأكل والملبس واللسان. ومن ناصية لأخرى ستظل المرأة تدق على النوافذ اللامعة وتنادي بأسماء لا يعرفها أحد لكنها لن تسمع سوى الضحكات الهجينة تتلاشى في سماء بلادها مشكلة غيمة عملاقة قد تصل إلى رؤوس الجبال وقد تمطر بنارها هناك وتكوي البراءة الأولى وقد تكوي الحجر. الأحد: يلتقي ثلاثة إخوة في مطعم عائم ويقررون الذهاب إلى مسقط رأسهم في القرية النائية النائمة وراء الجسور، حيث تختفي الطرق العامة المضاءة وتبدأ الدروب الحجرية المظلمة بالبروز. الأخ الأول الجبان كان يخاف على سيارته من الغبار ولذلك كان مترددا فاعتذر ثم وافق ثم اعتذر. وتذكر الأخ الثاني مواعيده المسائية على مقهى الفراغ واعتذر، اما الثالث فقال إن الحياة في مدن الزجاج جعلته يشبه الجميع في ظروفه الوقتية وان (التأجيل) هو الصفة الدائمة لجميع قراراته الراهنة. الاثنين: يدور الوقت في روتين الناس مثل دوامة هواء سريعة وتتغير الفصول في اليوم الواحد، حيث الصباح إشراقة من ندى التفاؤل والظهيرة رمح من لهب على رؤوس الكادحين والعصر نسمة شمال ناعمة تتردد في الهبوب. والليل فرحة تراقب نفسها وتخاف أن يخنقها الأمل. هكذا لا شيء يحدث في الساعات التي تمر سريعة ولا يشعر بها أحد. الثلاثاء: يتجمهر الغرباء في مدن الزجاج حول امرأة مجهولة اللسان ترطن بالمعاني المهملة والقديمة ولكن لا يوجد من يترجم نشيدها العذب ولا من يفهم مديحها للأرض والتراب والهواء والجبل. سيقول أحدهم: إنها رسالة على أن الزمان تغير جلده وأن كتاب الماضي يجب أن يغلق لكي لا يدوم . وبعد ذلك سيذهب الغرباء ليشربوا من الينابيع العذبة حتى تجف. وستذهب المرأة المجهولة في متاهتها وستختفي في الظلال المتلاشية. الأربعاء: يلتقي ثلاثة أخوة في طائرة الرحيل مطرودين من ثيابهم ولسانهم. ومعهم يجلس في رحلة العذاب عبيد الطمع والغافلون والنائمون في حرير النسيان ومن باعوا قلوبهم واستسلموا لليأس. وهؤلاء لن يجدوا من يلوّح لهم من بعيد ولن يرمي لهم الأطفال زهرة الشوك وهم يغادرون إلى المجاهل في العتمة المتوارية. الخميس: ينسى السكان ضجيج الأماسي البعيدة ويفكرون في بناء مستقبلهم من زجاج صلب ومن حجر حقيقي فيضطرون إلى هدم الجبال ونسفها من أساساتها. وفي الآفق تهاجر الطيور بحثا عن أعشاش جديدة وتتشرد الضواري بحثا عن مأوى. الجمعة: تهب الريح العاتية وتقلّب الأوراق في دفتر الزمان فتتغير اللغات والألوان والرموز، ويظل المكان واحدا لكن أشكاله تكون قد تغيرت، ومع تغير الأشكال تتغير المعاني الأولى إلى الأبد. عادل خزام akhozam@yahoo.com