يحتاج الوطن العربي لأن يعيد إنتاج الكثير من أنظمته وقوانينه وبناه السياسية، ليس من السهل أن يقدم الإنسان نفسه لقمة سائغة لجنازير الدبابات ونيران الأسلحة الحية وخراطيم المياه الحارقة، لكن كما قالت إحدى المتظاهرات في واحدة من المدن العربية “ لم يعد لدينا شيء نخاف عليه “ وقديما قيل لا تخف إلا من شخص يقاتل وليس لديه ما يخاف أن يفقده !!
الخوف شعور فطري في داخل كل منا، فنحن جميعا نخاف على أمننا ورخائنا ومستقبل أولادنا ووظائفنا ورفاهيتنا والكثير من المتع والاستقرار الذي يتوافر لنا في مدننا وبيوتنا، لكن إذا كان كل ذلك ليس موجودا من الأساس فعلاما نخاف ؟ في الحقيقة ليس هذا هو السؤال الصحيح لكن السؤال يجب أن يكون : لماذا لا يكون كل ذلك موجودا في مدن ودول عربية لديها كل الإمكانيات ليعيش مواطنوها في درجات من الرخاء والاستقرار بحيث لا يضطرون للموت يأسا ضربا بهراوات الشرطة ؟ فكيف وصل الحال بالمواطن في بعض المدن إلى فقدان الإحساس بالخوف على حياته ومستقبل أولاده ؟ لماذا تسيطر عليه هذه الرغبة العارمة في الانتفاضة بحثا عن إصلاح يحلم به منذ قرون؟
ببساطة لأنه لم يعد هناك مستقبل ليخاف عليه وتلك هي الكارثة ولم يعد هناك استقرار يتطلع إليه ورخاء يخشى فقدانه، وبدل من أن يصير الوطن مظلة وأمنا وخبزا وكرامة تحول إلى عكس كل ذلك، وحيث لا أمن ولا خبز ولا عمل ولا أمان فإنه لا وطن بالنتيجة، إن السيدة التي ترفع لافتة “ أريد عملا حرام عليكم “ لا تثور على النظام ولا تريد الانقلاب على أحد لكنها تريد حقها في أن تعمل حتى لا تتحول إلى عالة على المجتمع أو عاهة في نظر نفسها وحتى لا تمارس شكلا من أشكال الانحراف كالسرقة والابتذال، فمن ذا يعيب عليها هذا الحق في أن تخرج للشارع صارخة أريد حلا !!
لا يجوز الاعتداء على الوطن ولا تكسير وجهه ولا رشه حتى بالماء على وجهه فالوطن أغلى من الروح وأعز من الدم هكذا قالوا لكل هؤلاء الذين يتظاهرون في شوارع الدنيا، لكنهم علموهم أيضا أن فاقد الشيء لا يعطيه وفاقد الكرامة لا يمكن أن يشعر بكرامة الوطن، ثم أن أي وطن هذا الذي يكون كريما بينما مواطنيه تتبعثر أحلامهم وكرامتهم ومستقبلهم بين الأرجل وفي الشارع هباء منثورا؟
عندما كان الشباب يقذفون رجال الجيش بالحجارة في طرقات بيروت، بينما يحتمي رجال الأمن والشرطة من الحجارة بدروع يحمون بها وجوههم، فكرت بأن شعبا يقذف جيشه بالحجارة لا شك أنه شعب همجي، لكنني استدركت الوضع الاستثنائي الذي يعيشه هؤلاء، فقدرت حقهم في التعبير عن غضبهم، كما قدرت صبرهم الطويل بإزاء نظام أوصل مواطنيه إلى قاع اليأس بسبب سياسة تتقاذفها الأهواء والرياح السياسية من كل صوب، بينما المواطن هناك وفي غير لبنان صابر على اليأس وصابر على البطالة وصابر على انقطاع الكهرباء وصابر على سوء الخدمات وصابر ... وصابر ... فماذا لو أنه انفجر في لحظة يأس وقذف جيشه بالحجارة ؟ إنها رسالة الحجر الذي يتطاير في كل الشوارع هذه الأيام !!


ayya-222@hotmail.com