كنت أتابع مقابلة عبر إحدى المحطات الأجنبية مع النجمة السينمائية الاميركية جوليا روبرتس، وقد استوقفني من اللقاء ما ذكرته عن حرصها على توصيل أبنائها إلى مدارسهم، وهي النجمة التي تتقاضى خمسين مليون دولار عن الفيلم الذي تشارك في بطولته.
والشهر الماضي حصلت روبرتس على 1.2 مليون يورو لقاء ظهورها في إعلان لقهوة إيطالية لمدة 45 ثانية من دون أن تنطق بكلمة واحدة.
وقد عرض الإعلان في بلاد الاسباجيتي خلال فترة أعياد الميلاد، نجمة بهذا الثراء تحرص على عدم الاستعانة بسائق أو خادمة لتوصيل ابنائها إلى مدارسهم، يكشف في المقام الأول ثقافة العمل والاعتماد على النفس قبل أي شيء آخر.
وذات مرة حدثني صديق ذهب لزيارة ابنه الذي يدرس في كندا، كيف أنه لاحظ نشاط ومثابرة حارس المبنى الذي يقيم فيه نجله، وحرصه على الحضور مبكرا لري حدائق المبنى قبل أن يخبره ابنه بأن الرجل مالك للعقار ويمتلك عقارات مماثلة في تلك المدينة التي تعد العاصمة التجارية لكندا.
نموذج آخر لثقافة تربى عليها سكان تلك الأصقاع، في وقت أمضينا نحن عقودا من السنين نتحدث عن خلل التركيبة السكانية و”تسونامي” البشر الذي سيجتاحنا لدرجة تهديد الوجود لحد الانقراض، ومع هذا لم نسمع بأي مواكبة شعبية للجهد الرسمي الذي تقوم به الدولة لعلاج هذا الخلل الخطير. والذي هو بحاجة الى تكريس ثقافة العمل والاعتماد على الذات.
لدينا اليوم أجيال تتربى على الاعتماد الكلي على عمالة هامشية، وقبل ان يعتبر اي منكم هذا الكلام من باب المبالغة ادعوه للتوقف أمام أقرب مدرسة ابتدائية أو حتى إعدادية، ويرى كيف تركنا هؤلاء الصغار للخدم والسائقين، البعض منهم يتم توصيله او توصيلها للصف الدراسي حاملين عنهم حقائبهم المدرسية. بل إن مرض الاعتماد على الآخرين تلبس الشباب، ونحن نراهم يتوقفون أمام البقالة او منافذ خدمية أخرى ليطلقوا أبواق سياراتهم مستدعين عامل المكان ليحضر لهم طلباتهم دون ان يبارحوا مكانهم، ومن دون أن يدركوا ان تكريس هذا النوع من الخدمات يعني استمرار تدفق عمالة هامشية على البلاد التي تعاني من وجود طاغ وكاسح لهذه الفئة من العمالة. وحتى في المجالس المنزلية وبعد ان كانت خدمة الضيف والزائر من صلب تدريب الصغار على العادات الجميلة، تحولت الى نقيصة طالما ان “البشكار” موجود!.
وكنا قد سمعنا بتوجه للحد من تدفق العمالة الهامشية ووقف إصدار تأشيرات الاستقدام لها، والتوسع في طرح بدائل عنها، ومع هذا توقف الحديث عن تلك التوجهات أو المبادرات.
ورغم التحذيرات الموسمية التي تطلق بين فترة واخرى حول المشكلة الا اننا لم نر مقاربة ملموسة لها باتجاه بث ونشر ثقافة الاعتماد على النفس، وتقديم الحوافز وما يشجع على بقاء المرأة الأم مع ابنائها. وطالما استمر هذا التفكير في العقول والترفع عن بعض الاعمال والمهام سائدا بهذه الصور والاشكال المأساوية ستظل المعاناة قائمة، والخلل يتفاقم للدرجة التي يصبح بها الحل مستحيلا!!.


ali.alamodi@admedia.ae