يسمح الناس للإعلام بأن يلهو معهم ويلهو بادعاء أنه يسليهم ويخفف عنهم هموم الحياة وضغوطاتها، لكن هؤلاء الناس على بساطتهم، وتساهلهم يقفون بالمرصاد لأي محاولة إعلامية تحاول المساس بكل ما له علاقة بدينهم وقيمهم ومنظومة الفضائل التي تربوا عليها، ودعو عنكم حكاية أن الناس مصابون بالجهل المزمن واللامبالاة الأبدية وبأنهم يطبلون مع كل طبال ويصفقون لكل مطرب، إن هذه الصورة الغوغائية التي تصور الناس بأنهم لا يفقهون رسائل الإعلام السامة ذات الأهداف المشبوهة ليست سوى صورة تجارية يروجها صناع الإعلام السيئ ليستمروا في إنتاج إعلام من نوعية برامج خالد وأسيل ونجوم الخليج وستار صغار وغيرها من البرامج العبثية.
المشاهد العربي قد يكون أمياً، وقد لا يفك الخط على رأي اخوانا في مصر، وقد لا يكون قارئاً ومثقفاً وعلى اطلاع بفلسفة سقراط وأفلاطون، قد لا يطالب حكوماته بالديمقراطية وقد لا يعرف كثيراً عن الليبرالية الغربية لعبة الكراسي السياسية، لكنه يعرف تماماً ان ما تعرضه كثير من فضائياتنا العربية هو ضد قيمه وعاداته ودينه وأخلاقيات الصواب والخطأ التي تربى عليها كل إنسان سوي وعاقل.
هناك أناس يصنعون إعلاماً للسوق وللاستهلاك غير الإنساني، إعلام لا يميز بين السوبرماركت وحجرة الدراسة، وبين الكباريه وغرفة جلوس العائلة، وبما أن التقنيات الحديثة لن تضع في يد المواطن العربي أسرار التحكم في كثير من العبث الذي تعرضه فضائياتنا العربية، فإن عليها – هذه الفضائيات – أن تتنبه للأوقات التي تعرض فيها كثيراً من غثائها السيئ، ففي غرف المنزل وغرف اجتماع العائلات يوجد شباب صغار ونساء ومراهقون وأطفال لا يجوز أخلاقياً وإنسانياً أن يتم الاعتداء على طفولتهم وأسس تربيتهم، لتعرض أمام أعينهم صور ومشاهد أكثر من فاضحة وأعظم من خادشة للحياء والذوق والأدب !!
كيف يناقش إعلامنا العربي أسباب جنوح الأحداث وانحراف المراهقين وإدمان الشباب وانتشار المخدرات والزواج العرفي والعلاقات المحرمة بين الجنسين وظواهر خطيرة مثل عبادة الشيطان وغيرها كثير، وهو – أي هذا الإعلام – لا يكف عن عرض أفلام تمجد هذا كله وتروج له وتتماهى معه وتكرس أفكاره وبشكل يتكرر أمام أعين هؤلاء ليل نهار ؟
هل هي ازدواجية. أم جهل ؟ أم تضليل مقصود ؟ أم ماذا بالضبط ؟
يبقى الكباريه أو المرقص محدود الخطر فهو مكان قصي وبعيد المنال، ولا يعرف ما يدور في دهاليزه إلا من أراد بقراره وكامل إرادته أن يذهب إليه مقرراً أن يكون جزءاً من مشهده المنحرف، أما حين يعرض الكباريه أو المرقص بكل وباءاته وانحرافاته وتفصيلاته شديدة الدقة ليعرفها الطفل والمراهق فإن الخطر يصير لا محدودا ومسؤولية الإعلام تبدأ ولا تنتهي عما يمكن أن يتركه هذا العرض على ذهنية الصغار، خاصة بعد أن ابتكر الإعلام المرئي في السنوات الأخيرة ما سمي ببرامج الواقع التي تستقطب المراهقين بكل ما تمثله هذه البرامج من تكريس متعمد لقيم الابتذال ونمط الاستهتار بكل شيء.
الأم العربية تتعب كثيراً على تربية أبنائها والآباء يكدحون ويحتملون قساوات لاحدود لها، ليعلموا ويربوا ويجعلوا الفضيلة لابنائهم منهاجاً وخطاً وبوصلة، ثم تأتي أفلام إيناس الدغيدي وبرامج من شاكلة ما قدمه خالد وأسيل وغيرها ليخلطوا الأوراق ويلخبطوها تماماً، ثم لا يريدون من ينتقدهم ومن يهاجمهم.. اعتقد بأنهم يستحقون ما هو أكثر من الهجوم.


ayya-222@hotmail.com