إن كنا نختلف كأمم وحضارات وأعراق وأديان، إلا أننا إخوة في الإنسانية، فالحضارات الإنسانية جاءت لتكمل رسالاتها، ولا تستطيع حضارة أن تنكر فضل الأخرى في مد البشرية بإنجازات خاصة بها، وبالفطرة الإنسانية يأنس الإنسان لأخيه الإنسان دون تمييز للون أو عرق أو دم، فلا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى ومن التقوى العمل الصالح، الخالص من الغاية الأنانية أو المصلحة الفردية. وعلى مر التاريخ عاش العرب متآخين مع جيرانهم من الحضارات الأخرى تفاعلوا معهم، أثّروا وتأثروا، وأعطوا وأخذوا. الفَرْقُ بَيْـن الإنْسِيِّ والإنْسَان أن الإنسي يقتضي مخالفة الوحشيِّ ويدل على هذا أصل الكلمة وهو الأنْسَ، والأنسُ خلاف الوحشة، والناس يقولون: إنسي ووحشي. وأما قولهم: إنسي ووحشي والإنس والجن، أجري في هذا مجرى الوحش، فاستعمل في مضادة الأنس، والإنسان يقتضي مخالفته البهيمية فيذكرون أحدهما في مضادة الآخر، ويدل على ذلك أن اشتقاق الإنسان من النِّسيان، وأصله إنْسِيَان فلهذا يصغر فيقال: أنَيْسِيان، والنِّسيان لا يكون إلا بعد العلم فسميِّ الإنسان إنساناً لأنه ينسى ما علمه، وسميت البهيمة بهيمة لأنها أبْهمَتْ عن العلم والفهم ولا تعلم ولا تفهم في خلاف الإنسان، والإنسانية خلاف البهيمية في الحقيقة، وذلك أن الإنسان يصح أن يعلم إلا أنه ينسى ما علَمَهُ، والبهيمة لا يصح أن تعلم. أما الْفَرْقُ بَيْـنَ الناسِ والبَشَرِ فهو أن قولَنا: البشر يقتضي حسن الهيئة وذلك أنه مشتق من البَشَارَةِ وهي حسن الهيئة، قال: رجل بشير وامرأة بشيرة، إذا كان حسن الهيئة، فسمي الناس بشراً لأنهم أحسن الحيوان هيئة، ويجوز أن يقال إن قولنا: بشر يقتضي الظهور، وسموا بشراً لظهور شأنهم، ومنه قيل لظاهر الجلد بشرَة، وقولنا: الناس يقتضي النوس وهو الحركة، والناس جمع، والبشر واحد وجمع، وفي القرآن: (... مَا هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ...) «المؤمنون: الآية - 33» وتقول: محمد خير البشر، يعنون الناس كلهم، ويثنى البشر فيقال: بشران، وفي القرآن: (... لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا...) «المؤمنون: الآية - 47»، ولم يسمع أنه يجمع. نزار قباني: علمني حبك .. أن أحزن وأنا محتاج منذ عصور لامرأة تجعلني أحزن لامرأة أبكي بين ذراعيها مثل العصفور.. لامرأة .. تجمع أجزائي كشظايا البللور المكسور ??? أدخلني حبكِ .. سيدتي مدن الأحزانْ.. وأنا من قبلكِ لم أدخلْ مدنَ الأحزان.. لم أعرف أبداً.. أن الدمع هو الإنسان أن الإنسان بلا حزنٍ ذكرى إنسانْ..