يقولون اضحك تضحك الدنيا معك، بشرط ألا يكون الضحك استهبالاً أو استخفافاً، وإنما لأجل الإقبال على الدنيا بوجه متفائل مشرق بالأمل. ودراسة بريطانية كشفت أن الضحك لمدة ربع ساعة يخفف الألم، لماذا؟ لأن الألم هو حالة تركيز على منطقة ما يوجد فيها مرض ما، ما يجعل جل المشاعر مركزة باتجاه موضع الألم، بينما عندما يجلس إنسان أمام عمل كوميدي مسلٍ، ويضحك منسجماً مع هذا المشهد الضاحك فإنه يقوم بعملية إزاحة للمشاعر، من جهة يوجد فيها الألم إلى جهة أخرى تطارد الإحساس بالألم وتمنعه، ما يجعل الشخص في حالة نشوة شعورية تنفرج خلالها أساريره للموقف الكوميدي، لكن بعض الأشخاص يرفضون الخروج من المواقف المؤلمة ويصرون على المكوث في حلقة الألم، فلا يسعدهم شيء مهما كانت قدرته على الإضحاك، هؤلاء الأشخاص هم الاكتئابيون السوداويون المعزولون كلياً عن عالم الفرح، الأمر الذي يجعلهم دائماً في حالة عبوس وانتكاسات نفسية وجسدية لا نهاية لها ويعتبرون الابتسامة في وجه الآخر كمن يقتطع من أجسادهم عضواً، أو من يسرق من جيوبهم مالاً، أو من يزحمهم على مكانة اجتماعية أو منصب، هؤلاء أشخاص ينظرون إلى الحياة بمنظار أسود داكن لا تطل منه الشمس، ولا يبزغ من خلاله قمر، أشخاص هم متوحشون من الداخل، مهزومون، ضعفاء، لا يعرفون عن قول الرسول الكريم “تبسمك في وجه أخيك صدقة”. لذلك فهم لا يبتسمون لغيرهم ليكسبوا الأجر ولا يفرجوا عن خواطرهم بالضحك ليخففوا من آلامهم النفسية والجسدية.
فالذين لا يبتسمون هم محرومون من صحة النفس والبدن، فينكمشون على ذواتهم كالقواقع الخائفة من خطر داهم، متوارون خلف مشاعرهم، مبهمة غامضة تعيش في رمضاء صحراء قاحلة، اضمحل فيها عشب الحياة، وتسربت عنها المياه العذبة. ولا يدرون أنهم عندما يحجمون عن التصدق على أنفسهم بابتسامة مشرقة إنما هم يسرعون في القضاء على حياتهم بمضاعفة الآلام في أجسادهم، هؤلاء أشخاص كما يقول عنهم علم النفس يحاولون الوصول إلى استدرار عطف الآخرين بطرق السبل الخطأ، يعتقدون أنهم بتغضين الحواجب يكسبون تعاطف الناس معهم، ويظنون أن المجاهرة بالشكوى من الألم يفوزون بها بود الناس، بينما العكس صحيح، فمن لا يبتسم لا يحظى إلا بالنفور وشعور الآخر بالتذمر من بؤس ما يقابله.
هؤلاء هم المرجفون، المرعوبون، الخائفون من شيء ما ليس إلا هو ذلك الوحش الكامن داخلهم، إنها النفس المهزوزة، الناكصة إلى مراحل طفولية باكرة، شيمتها الخوف من المجهول، وشعارها التوجس من كل ما هو مخالف للون السواد. رغم أن الدراسات العلمية تتحفنا في كل يوم بمكاسب إشراقة المحيا، وانفراج الشفتين، وتورد الخدين، وبريق العينين، وانشراح ما بالقلب من شرايين.


marafea@emi.ae