ذكرني موضوع السيرة الذاتية بسيرة عبدالرحمن بدوي التي كانت مليئة بالهجوم على الكثير من الشخصيات التي نكن لها الاحترام، ويبدو أن طه حسين هو الوحيد الذي نجا من هجوم عبدالرحمن بدوي على الآخرين في مذكراته التي تبدو نوعا من الثأر ممن حسبهم بدوي أعداء، ومع ذلك فقد سألت نفسي بعد قراءة مذكراته: ألم يعرف هذا الرجل الحب؟ أو على نحو أدق ألم يعرف المرأة؟ ولماذا أضرب عن الزواج، وعاش طوال حياته وحيدا بلا زوجة أو حبيبة أو صديقة أو ابنة أو ابن يحمل اسمه؟ ولم أجد شيئا من ذلك، فسيرة عبدالرحمن بدوي الذاتية أقرب إلى سيرة تركيزها الأول على الآخرين الذين عبروا حياة هذا الفيلسوف العبقري والممتلئ بنفسه إلى حد كبير جدا جدا. وقد عرفت عبدالرحمن بدوي في جامعة الكويت، حيث عملت أستاذا معارا في قسم اللغة العربية، وكان هو يعمل أستاذا في قسم الفلسفة الذي كان يرأسه تلميذه فؤاد زكريا ـ رحمهما الله معا ـ وفي أثناء زيارة إلى تونس، أعطاني أبوالقاسم كرو مظروفا مغلقا به عدة آلاف من الدولارات مكافأة بدوي عن كتاب تعهد بنشره أبو القاسم كرو، وعندما عدت إلى الكويت حملت المظروف وتوجهت إلى قسم الفلسفة، وقابلت عبدالرحمن بدوي في الممر، وحاولت أن ألقي عليه التحية في ود واحترام، فإذا به يشيح بوجهه عني، ويشير بيديه كما لو كنت ذبابة يبعدها عنه، وآلمني هذا السلوك الذي أغضبني كل الغضب، وذهبت منفعلا إلى تلميذه فؤاد زكريا الذي كان رئيس قسم الفلسفة، فهدأني الرجل، وقال لي هذا طبعه، يكفي أن تعرف أني منذ أن أصبحت رئيسا للقسم لم يلق عليّ التحية في أي صباح أو مساء، فقلت له: إذن أبلغه أنني أحمل له آلاف الدولارات من تونس، وسأضعها في مكتبي إلى أن يزورني هو، ويطلب ماله بعد تقديم الشكر. وحاول فؤاد زكريا أن يأخذ مني دولارات الرجل ولكني رفضت، وظللت على رفضي، فقد كنت أعلم حرصه على المال، وبالفعل، اضطر الرجل إلى المجيء لمكتبي متأففا، وطلب مني ماله بكبريائه المعروف، فقدمت له المظروف الذي خطفه من يدي وخرج دون كلمة شكر، ولذلك لم أندهش أنه لم يذكر صديقا أو صديقه له في مذكراته، وعاش وحيدا بعد أن فرض على نفسه وحدة قاسية، في برج تعاليه وتوهمه أنه الفيلسوف العربي الذي لا يستحق هذااللقب أحد غيره من العرب في العصر الحديث، وقد كان الرجل نابغة حقا، لكنه وحيد إلى درجة البؤس. رحمه الله.