بمناسبة انتهاء الانتخابات ننقل اليوم لموضوع آخر مهم، فقد ارتبط الجلد بمسيرة حياة الإنسان الأول طويلاً، بعدما اهتدى إليه من قتل صيده، حتى استطاع أن يتخلص منه حينما ترك الغابة، واستقر في الأراضي الزراعية والمدنية، وارتبط إنسان العصر الحديث برقاع أزرق، له اسم واحد في كل اللغات هو “الجينز” والذي سيسير طويلاً معه، حتى يأتي ما يحل بدله، ابتكره البحارة من أهل جنوة الإيطالية، ونقلوه إلى أميركا، وسمي نسبة لمدينتهم جنوه “genoese”، وهم الذين أيضا من نقل بنطلون الـ”شارلستون”، لأن البنطلون العريض من تحت كان يساعدهم على طويه حين يريدون أن يغسلوا أرض السفن أو حين تكون أسطحها مبللة، فسماه الأميركان، لكنه لم يبق كموضة إلا سنوات، في حين بقي الجينز مقاوماً كطبيعته، فغزا كل مكان، لكنه اشتهر في أوروبا، وأصبح لبس العمال والطبقات الفقيرة فيما بعد، وظل غير معترف به ولا يسمح الدخول به في المطاعم الفاخرة، وظل الإنجليز متمسكين بهذا التقليد حتى بعدما أصبح الجينز أغلى من بعض البدل الإنكليزية الصوفية المخططة.
عام ظهور الجينز مختلف عليه، بعضهم يرجح أنه عام 1567م، لكن من أعطاه القيمة هو الأميركي “ليفي ستراوس” عام 1873م، حتى صار الجينز علامة مميزة لحضارة أميركا، وأول ما يصدره الأميركان مع الـ”فاست فود” والكوكا كولا عنواناً لثقافتهم، فكان له قيمة كبرى في بلدان المعسكر الشرقي أيام حقبة الحرب الباردة، ويساوي عشرات ثمنه في بلده الأصلي، قاومته روسيا حين كانت ضمن نطاق الاتحاد السوفييتي فترة من الزمن، واليوم بوتين رئيس الوزراء، والرئيس الروسي المقبل لا يظهر في فترات راحته، إلا بالجينز، بالتأكيد غورباتشوف وبرجينيف لم يدخل الجينز خزانة ملابسهما، مقاومة الصين كانت أعند، واستعاضت عنه لباساً آخر للشعب من القماش نفسه أطلقت عليه “بدلة ماو” وعدت الجينز من رموز الإمبريالية،? واعتبرته من كماليات الثقافة الرأسمالية، وتطلعات البرجوازية الصغيرة، رغم أنه في الأصل لباس البروليتاريا الرثة، مصانع الجينز المنتشرة في العالم، تبدو عجيبة، وكأنها مصانع للأسمنت، حيث تراهم يصبغونه، وكأنهم يدبغون جلد خروف، بعضها تغسله مع الحصى والحصباء ليبدو قديماً ممزقاً، أما الذي أشهر الجينز ورسخه في الذاكرة أفلام الـ”كاوبوي” أيام “جون واين”، حتى أنه كان يطلق على الجينز عندنا قديماً “بنطلون كاوبوي”، ثم جاء دور بيوت الأزياء والمصممين العالميين، خاصة الإيطاليين، وغدا لباس الشباب والشابات من أمراء وأميرات وفقيرات، وصعد سعر بنطلون الجينز من 10 دولارات إلى 800 دولار، و700 يورو، وظهرت تركيا والصين والبرازيل كبلدان منتجة ورخيصة للجينز حديثاً، وفي الزمن الأول يوم تتبادى الشقراء، و”لن عليها يلالها”، الحين تتبادى الشقراء وعليها ذاك الجينز “التاي باز” اللي يظهر “التاتوو”.


amood8@yahoo.com