أعلم أن المجتمع في الخليج العربي مجتمع جاليات، هذه حقيقة يعرفها الجميع، ونسبة الجاليات العربية معقولة نسبة للجاليات الأخرى، وتتميز بكفاءاتها وعلمها وخبراتها، ولكن السؤال الموجه لكل فرد من أفراد الجاليات: لماذا تحولون الثقافة إلى ثقافة جاليات، وتحشرون أنفسكم في لون واحد، وتغيبون عن الأنشطة الثقافية الأخرى؟ والسؤال الآخر الموجه لكل فرد من أبناء الجالية الواحدة: لماذا تفضلون البقاء في منازلكم، أو التجول في مراكز التسوق وتقاطعون مؤسستكم الثقافية؟ والسؤال الثالث الذي يفرض نفسه: لماذا تغيبون عن النشاطات المحلية الخليجية، ولا تحاولون الاحتكاك بها والتعرف عليها وفهمها، أليست تجربة حياتية تمرون بها وتزودكم بمعارف خاصة؟ ولو جمعنا الأسئلة كلها لصبّت في حقيقة واحدة: الإنسان في الخليج العربي يقاطع المؤسسة الثقافية ولا يساهم في الحراك الثقافي، ونسبة كبيرة من المبدعين يقاطعون النشاط الإبداعي ولا أدري ما يفضلون عليه! ولا يحضرون إلا إذا تمت دعوتهم للمشاركة كمحاضرين وشعراء ونقاد وأدباء، هل من إجابة لدى المبدعين والمثقفين والنقاد؟ حقيقة تواجهها المؤسسات الثقافية كلها، بل تعاني منها، وتبطل هذه الحقيقة بحضور نجم ذاع صيته، وغالبا ما يكون جزء كبير من الحضور من جاليته، أي جنسيته، فهل هذا يعني أن الناس يتعلقون بالنجوم الذين غالبا ما تكرسهم الوسائل الإعلامية؟ وهل هذا يتعلق بقبول الجاهز من الثقافة، ورفض الجديد المجرب غير المعروف؟ وهل يعني أن الإنسان هنا بات مستقبِلا يبحث عن السهل بشكل دائم، أم أن الناس فقدوا الدهشة ولم تعد تحركهم الفكرة القصصية والجملة الشعرية واللوحة التشكيلية والطرح الفكري؟ وهل باتوا كسالى إلى درجة يستصعبون رفع أياديهم لحك رؤوسهم؟ هذه المعضلة موضع بحث في المؤسسات الثقافية جميعها، لكن لا يكترث أحد لحلها، كأن يضع خططا لتغيير شكل النشاط، أو تطعيمه بالأجمل، أو تغيير مكانه، أو أساليب تقديمه، وكأن العمل الثقافي (دمه ثقيل) وغير قابل للتجديد، وهذا ينسحب على البرامج الثقافية التلفزيونية والإذاعية، جامدة ومملة وتتحدث بفوقية. الخليج العربي لا يتفرّد بهذا الواقع، معظم دول العالم المتحضر تعيشه، لكنها تستخدمه بشكل إيجابي، فهو ميزة للتنوع والإثراء والاحتكاك بين الثقافات، وهناك دول تخصص يوما للاحتفاء بهذا التنوع الثقافي. كثيرون يعتقدون أن هذا الطرح خط أحمر لا يجوز الحديث به، وهو ليس كذلك مطلقا، فلا أحد ضد التلاقح الثقافي، ولا أحد ضد حضور الأمسيات والمحاضرات والمعارض، ولا أحد يمنع أحد من الدخول في عالم التنوير، إنما هي النفس التي خسرت بريقها أمام الماديات، حتى تحولت إلى مادة متحركة لا روح فيها. أعلم أنه كلام قاس سينفر البعض، لكنه حقيقة، يعترف به الناس بينهم وبين أنفسهم، ورغم ذلك لا يبادرون، ويكبلون أرواحهم أمام الشاشات الفضية، حتى تحولوا إلى جزء منها. أنور الخطيب | akhattib@yahoo.com