الآن، سترانا نقول: إنه كان يشعر بقرب أجله، فكان يفعل ما يفعل.. وإنه كان يأسرنا ويغزونا ويستولي على قلوبنا، حتى إذا ما تركنا، أوجع قلوبنا. لكن ما هكذا يفعل ذياب.. لقد كان يمتهن حب الناس.. أينما حل حلت البهجة.. حسن المحيا.. آسر الطلعة، وفي الكرة، لم ينفصل عن ذلك الإنسان، وعن هذا الطفل البريء الذي يسكن بداخله، وحتى حينما أحرز ركلة جزاء باتت حديث العالم، كان الذي أحرزها هو الطفل الذي يسكن بداخله. هل استكثرت علينا وجودك يا ذياب، فاخترت الرحيل، وهل ستصدق من يقولون إننا سننساك.. آه لو كنت بالأمس هناك، في مشهد الوداع، ورأيت كيف جاءتك الآلاف تبكي، وتذرف الدمع، لعرفت كم أنت غال علينا، وعلى الوطن. لا أجيد كثيراً الكتابة في الموت وعن الموت، وربما لا أجيد الحديث فيه، فهو أكبر من أن نتحدث عنه، لكنني بالأمس، عشت حدثاً كبيراً، لم أعشه منذ سنوات طوال، وظللت لعدة ساعات مثل غيري، غير مصدق أن ذياب الذي كان بيننا قد رحل.. لم أكن مصدقاً رغم أنني كنت بمستشفى خليفة، ورغم أنني ألقيت نظرة الوداع الأخيرة على طائرنا الحزين، الذي ودع الغصن الأخضر، واختار أن يحلق في فضاءات البعاد. ومنذ أن أخبرني محدثي بالنبأ.. ظننتها، إحدى سخافات «البلاك بيري» وإشاعة «ماسخة»، ولكن شيئاً فشيئاً، تقلص أملي الذي تعلق بالسخافة وتمناها ورجاها أن تأتي. رحل ذياب عوانة، وكأنه اختار الرحيل في هذا الأوان بالذات، ليظل أملاً يداعبنا دون أن يكتمل، وضوءاً يلوح من بعيد دون أن يأتي، وثمرة حلوة لا تنضج، وكلمة لا تقال.. رحل ليبقى، فكم شعرنا ونحن نودعه أننا نحبه أكثر مما كنا نظن. بالأمس، لم نودع لاعباً موهوباً سواء في بني ياس أو المنتخب، ولكننا ودعنا إنساناً رائعاً، وفتى إماراتياً كنا فخورين به، ولعل الحادث الأليم الذي أفنى زهرة عمره، ومن قبله حادث سعيد النوبي، يكون عبرة لشبابنا، كي لا يضيعوا العمر هباء. وما قاله الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية رئيس نادي بني ياس بالأمس، لشباب الوطن، لابد وأن يوضع في الاعتبار، فطاقات الوطن أثمن من أن نهدرها على الطرقات، ومبدعوه أغلى من أن تزهق أرواحهم في السيارات. أبناء الوطن هم ثروته الحقيقية، وفقد واحد منهم، لا يعوض بمال الدنيا، ولكن علينا أن نكون أحرص الناس على أرواحنا، وألا نورد أنفسنا موارد التهلكة، وأن نأخذ بأسباب السلامة والعافية. رحل ذياب عوانة، وترك في الصدور جرحاً غائراً، وفي النفس غصة مرارة، وعلى الوجوه حزناً يحتاج إلى وقت حتى يزول، لكننا أبداً نؤمن بأنه لا راد لقضاء الله، فلله ما أعطى ولله ما أخذ، وندعوه تعالى أن يرحمه بواسع رحمته، وأن يلهم أهله وذويه الصبر والسلوان. كلمة أخيرة الموت أصدق الأنباء فاعتبروا أيها الأحياء محمد البادع | mohamed.albade@admedia.ae