كل قيادات ورؤساء الدول التي تفجرت فيها الثورات الدامية وجهت أصابع الاتهام إلى الخارج وصرخت متوجسة من تفتيت تلك الدول .. نقول بكل صراحة، هذا أمر وارد وقد يحصل، ولكن السؤال هو من سمح للخارج بأن يتدخل ومن أوجد العناصر العدائية التي أصبحت الآن شوكة في صدور تلك الأنظمة توخزها وخزات دامية وتؤرق منامها. بطبيعة الحال وعلمياً، فإن الضغط يولد الانفجار وإن الذين فقدوا الأهل والوطن وسكنوا في بلاد بعيدة متحملين الغربة ولوعة الفراق أو الذين عانوا من الفساد والظلم والقهر وفقدان فرص العيش بكرامة، هؤلاء الفاقدون لا ينتظر منهم أن يرحموا أنظمتهم أو ينظروا بعين الرأفة لأوطانهم، لأن فاقد الشيء لا يعطيه ومن فَقَدَ الأمان وحق العيش فلن يظل لديه ما يفقده، وسوف يظل هؤلاء يكافحون النظام سواء في ليبيا أو سوريا أو حتى اليمن، وإن جلب هذا الكفاح أضراراً فادحة لأوطانهم أو قطعها أجزاء وجعل شعبها طرائق قدداً، هؤلاء الآن يحاربون على المكشوف وليس لديهم أي رصيد غير الانتقام من أنظمة سحقت المشاعر وأشعلت نيران الحقد في النفوس وجعلت من الأوطان مجرد مخادع لا تسترخي عليها إلا رؤوس من هم في سدة الحكم ومن يعاونهم .. أجل نحن نخشى وكل إنسان في صدره قلب يخاف على ليبيا كما يخاف على سوريا واليمن من الذين يتأهبون للقفز وحرق المراحل، ولكن ما العمل، فلا حول ولا قوة، ولا حيلة غير الصبر وانتظار ما تؤول إليه الكوارث التي صنعتها تلك الأنظمة واستفاد منها من استفاد وسوف يخسر من يخسر والله المستعان. ليبيا بلد نفط كان يصدر ما يقارب المليون ونصف المليون من براميل النفط، ونصف شعبها، ومن الكوادر المثقفة، تغيب في المهجر بحثاً عن لقمة العيش، وسوريا حاربت الخيال منذ ستين عاماً وأخذت من الأموال الطائلة من الدول العربية الداعمة ودون أن تطلق طلقة باتجاه من قالت عنه العدو، إلى جانب أن سوريا بلد يمتلك مخزوناً حضارياً عريقاً وكنزاً ثقافياً، صدر للعالم سعد الله ونوس ونزار قباني وحنا مينا وعلي فرزات وغيرهم كثر، ثم المصادر الطبيعية الهائلة، ولكن للأسف كل هذا المخزون ضاع تحت حوافر الحزبية البائسة، ومعه ضاعت حرقة الإيمان بأهمية ثبات الوطن كما هو عليه، أما اليمن “السعيد” بلاد الخير العميم من طبيعة خلاقة وخلابة وثقافة تعود إلى سبأ العظيمة ثم عبدالله البردوني وعبدالعزيز المقالح، فإن كل ذلك لم يشفع للشعب اليمني ليصنع غده ويصنع لقمته كما يفعل البشر في سائر بلاد الدنيا المتحضرة، وهكذا أوضاع لا بد أن تفرز العدواني واللامبالي بحرقة وطن والمتزمت أيضاً والمتعنت والمتحزب بحبال بغيضة. للأسف الشديد فإن هذه الأنظمة سورت الأوطان بجدران خفيفة ثم صرخت قائلة للآخر لا تدخل ولا تتدخل ونسيت أن العالم الآن أصبح عالم المحيطات السياسية والاقتصادية والثقافية والجغرافية المفتوحة، ولا أحد يستطيع أن يقول “إذا سلمت أنا وناقتي ما عليّ من رباعتي”. marafea@emi.ae