لدى أكثرنا – إن لم يكن جميعنا – اعتقاد بأن الأطفال لا يفهمون شيئا ولا يعرفون أكثر مما يتفوهون به، أنهم بلا خبرة وبلا معارف ولا تجارب، وبالتالي فمن أين ستأتيهم المعرفة والفهم وتكوين الانطباعات والآراء، وحدهم الكبار يعرفون ويفهمون، ويمتلكون الحق الحصري في تكوين الآراء والانطباعات، أنه السلوك البطريركي الأبوي في التعامل مع كل شيئ، نحن لا نحاول أحيانا أن ننظر إلى الأمور من نوافذ الآخرين، ولا أن نضع أنفسنا في الزاوية التي يقفون فيها لنتعرف على حقيقة المشهد الذي يرونه، وكيف يبدو بالنسبة لهم، فهو يقينا يختلف عما يبدو لنا من الزاوية التي نطل منها !! الأطفال كائنات ملغاة في قاموس الكبار أحيانا، إلى درجة عدم الشعور بوجودهم، ليس الوجود الفيزيائي، فالأطفال يجيدون طريقة التعبير عنه، ولكن وجودهم الإنساني، فهم من وجهة نظرنا لا يفهمون ولا يجب أن يعبروا أو يتحدثوا في حضرتنا، فنحن المتحدثون الرسميون بالنيابة عن الجميع، حتى وصلنا إلى الاعتقاد العجيب بأن الطفل الذي لا يتكلم ولا يعبر عن نفسه هو الطفل الأكثر أدبا والأرقى تربية، وهو اعتقاد ليس خطأً فقط ولكنه كارثي !! في دراسة قامت بها إحدى المؤسسات الأميركية، تم توجيه سؤال إلى مجموعة كبيرة من الأطفال حول مفهوم كلمة الحب بالنسبة لهم، وقد خرج الأطفال بتعريفات غريبة، لكنها في نهاية الأمر تعبر عن الزاوية الصغيرة التي يطلون هم منها على هذا المفهوم، فمثلا الطفلة ربيكا ذات الثمانية أعوام قالت إن الحب “عندما أصيبت جدتي بالتهاب المفاصل، ولم تكن تستطيع أن تنحني لتضع الطلاء على أظافر قدميها، فكان جدي يقوم بذلك لها كل مرة على مدى عدة سنوات، حتى بعد أن أصيب هو بالتهاب المفاصل في يديه لم يتوقف عن القيام بذلك لها، ?هذا هو الحب كما رأته. الحب هو عندما تخرج مع أحدهم، وتعطيه معظم البطاطس المقلية الخاصة بك، دون أن تلزمه بأن يعطيك البطاطس الخاصة به، وهكذا ترى كريسي ذات الـ 6 سنوات. ?داني ذو السبعة أعوام يعتقد أن الحب هو عندما تصنع أمه القهوة لأبيه، ثم تأخذ منها رشفة بالملعقة لتتأكد أن مذاقها لذيذ. ?طفلة أخرى تعتقد أن الحب هو عندما تخبر شابا بأنك معجب بقميصه، فيقوم بارتداء القميص نفسه كل يوم من أجلك، بينما تقول ألين ابنة الخامسة أن الحب هو عندما تختار والدتها أفضل جزء من الدجاجة وتعطيه لأبيها، أما الحب فتشعر به ماري آن ذات الأربع سنوات حين يركض إليها كلبها فرحا، ويلعق وجهها رغم أنها تركته طوال النهار بمفرده ! في النهاية، لنتذكر أننا لا يجب أن تقول لشخص ما إننا نحبه إلا إذا كنا نعنيها فعلا، وإذا كنا نعنيها فعلا فعلينا أن نقولها له كثيرا، لأن الناس يعانون من النسيان ويحتاجون إلى من يذكرهم، هذه النصيحة هي التعريف الذي اختارته جيسيكا ابنة الثامنة لمفهوم الحب، ولو أننا استغرقنا في الاستماع لأطفال حول رؤيتهم للحب ولمفاهيم كبيرة أخرى، فإننا سنسمع الكثير من الطرائف من وجهة نظرنا، لكنها الطرائف التي تعبر عن رؤية أخرى للحياة لم نعتد عليها، ولذلك فنحن إما أن نسخر منها وإما أن نستتفهها، وإما أن لا نعترف بها كالعادة. ayya-222@hotmail.com