في مشهد سريع بأحد الأفلام الأميركية سألت طفلة في الخامسة منْ عمرها صديقها الذي يجلس بجانبها في الفصل ما هو الحب ؟ فأجابها الطفل: الـحب هو أن تسرقي كل يوم قطعة الشوكولاته مـن حقيبتي، و أنا أضعها كل يوم في نفس المكان لأجلك ، هكذا يقول الأطفال كيف يحبون بعضهم أحياناً، فالذكاء العاطفي لا عمر له، لكنه منحة إلهية لا يهبها الله لكل الناس، وحدهم الأنقياء ينالون هذا الشرف. لكن الحب يختلف عن منحه، ومنح الحب يختلف من شخص لآخر، والناس لا تختلف في أمر قدر اختلافها على الطريقة التي تقول فيها لمن تحب بأنها تحبه ، فقد تعيش امرأة مع زوجها عمرا دون أن تسمع منه كلمة حب حتى وان كانت كل تصرفاته تعبر عن حب شفيف لها، مع ذلك فالمرأة كائن سماعي تطربها اللغة والكلمات فهي وإن كانت متأكدة من محبة زوجها إلا أنها تحتاج دائما لشاهد إثبات من عمق اللغة المنطوقة، هذه المرأة أكثر حظا بلا شك من أخرى تعيش مع زوجها دهرا دون أن تعرف فيما إذا كان يحبها أم لا، ذلك أن بعض الرجال يظن أن التعبير عن المحبة انتقاص فاضح من شأن الرجولة، بينما الحقيقة أنه يعاني فشلاً حاداً في منسوب الذكاء والإحساس معاً. لا تعيش المرأة بالخبز وحده، ولا يعيش أي كائن بالماء والطعام فقط، لكن المصيبة حين تعيش مع أشخاص لا يعرفون مدى احتياجك للمحبة والاحتواء ولمن يسمعك قبل أن تتكلم ويحس بك دون أن تعبر ويلبي لك مطالبك قبل أن تطلبها، فإذا عرفوا لا يقدرون على ما تريد ، وإذا قدروا فليس بيدهم حول ولا قوة ، لكن الأكثر إشكالا هو حين يقع اختيارك على الشخص المناسب في المكان الخطأ أو في الزمان الخطأ !! نحن في زمن لا يلتفت فيه الناس لبعضهم بعضاً إلا نادرا، فالكل يركض باتجاه واحد حتى وان ظل واقفا في مكانه، فالمهم أن يوهم نفسه انه يجري كالآخرين لا فرق بينه وبينهم، هذا الجري لا يجعل للناس فرصة لتلتفت أو لتلتقط أنفاسها، أو لتسمع أنفاس الآخرين الذين يركضون في المجرى نفسه، فلا أحد مستعد ليقف وليقول بصوت عال، هذا قلب يئن احتياجا إلى رفقة، أو يصرخ من شدة الألم، يعاني من الوحدة، أو الإهمال أو التعب لأنه جرى كثيرا وطويلا وقد أنهكه المشوار ويحتاج لمن يلمس قلبه دون أن يضطر هو لأن يعري قلبه أمام أحد. حياتنا صعبة جدا، هذه هي ضريبة الأخذ بكل نتاجات المدنية المعاصرة ، هذه النتاجات التي نتباهى أحيانا بأنها صنعت للعالم سورا وسورته من أوله إلى آخر كائن فيه ثم وصلت بين الكائنات بأسلاك وأجهزة يحملونها حيثما حلوا أو ارتحلوا، ثم أطلقت على هذا الإنجاز اللاإنساني: القرية العالمية الصغيرة ، إن خطيئة الإنسان الكبرى هنا هي أنه استسلم لشروط هذه القرية المرعبة، ووحده الحب والتمسك بحسك وكينونتك الإنسانية يخلصك من كل هذه التفاهات. بإمكانك أن تتجاهل أشياء كثيرة وأن تغض الطرف كثيراً، لكنك لا يمكنك أن تنسى احتياجك للمحبة والأمان وحضور الإنسان فيك في حضرة من تشتهي الفرح معه، حيث تزول كل المسافات حين يحضر ويخضر قلب الوقت حين يطل، حتى وإن كان ذلك لبعض الوقت. ayya-222@hotmail.com