قليلة هي المسلسلات العربية التلفزيونية التي تحقق بكل عناصرها هذه السعادة الإبداعية، التي تشعر بها في النَص كما في الإخراج، وكل ما بينهما من عناصر إتمام أخرى للعمل، إضافة لسعادة الممثلين التي نضحت من أدائهم كحياة وليس كتمثيل. هناك دَفْق غامض في الحالة الإبداعية لهذا المسلسل السُوري، وهذا ما يحيلنا على مقالة مشهورة للشاعر الإسباني “لوركا”، عنوانها: “D ENDE”، وقد ترجمت مرة بـ”الروح المبدع”، ومرة أخرى آثر المترجم الحفاظ على الكلمة كما هي بإسبانيتها، إذ أن ما سعى إليه “لوركا” في مقاله هو محاولة الوصول إلى ما يَسِم بعض الأعمال الإبداعية من طاقة مغايرة لما هو متعارف عليه، رافضاً في نفس الوقت مفهوم الإلهام أو الوحي، راشقاً المعنى في غياهبه الحدسية، وتلون حضوره ببصائر مُشاكسة وممسوسة بتاريخ إسبانيا الحزين، ربما. “ضَيْعَه ضايعه” ليست بضائعة أبداً، إنها واقع ذو حقيقة إشارية، مستمدة من طاقةِ سُخرية فِطرية؛ لشخصيات تعيش نائية بحكم المكان عن العاصمة/ الدولة، بل عن الضيع المجاورة أيضاً. فلكل شخصية في الضيعة - بما في ذلك الضيعة نفسها- علاماتها “المونودرامية”. إنها خشبة مسرح متنقلة، أزعم أن كاتب نَص وسيناريو وحوار ضَيعة “أم الطنافس”: “ممدوح حمادة” هو المُحرك الرئيس لبذرتها “الداوندية”. فالانضباط التأليفي والمعرفي للنَص أَنْجَز معه إخراجاً – للمخرج: الليث حجو - ذو وعي وجودي به، موازاةً مع توأمة بصرية جميلة للأحداث والشخصيات والمكان، ولم تبالغ الكاميرا ولم تُوغِل إلى أكثر مما استدعته الضرورة التي بُنِيَت عليها “ضيعة المُسلسل”. وقد خرج المؤلف علينا بذلك، كما خرج الكاتب الروسي “تشيكوف”، بشخصيات وحَبْكَات الفِعل الإنساني الأكثر عَطفاً على الإنسان نفسه، ألا وهو الإنسان في حد ذاته. وصرف النظر عن الرسالة الصوتية التي تبدأ بها كل حلقة، (مُشيرةً إلى عفوية وبساطة الحياة خارج عصر الرقميات، إذ إن “الثورة الرقمية” آلت بنا إلى ما لا يمكن تصوره، لنصبح عبيداً بلا قدرة على المفر منها. إلا أنه وكما هي العادة ففي كل المجازر التي تحدث هناك ناج واحد: “أم الطنافس”)، فإن هناك دوافع أخرى كثيرة يستدعيها العمل، مهما تم تشريعه بهذه الفكرة أو تلك. إنها كوميديا الحياة، ولا هي كوميديا سوداء، ولا بيضاء. تنهال المواقف من حلقة إلى حلقة كأنها رحلة في منطاد “تحت حقول قمح خضراء”، و”فوق حقل السياسي المُعْتِم” النائي بمركزيته عن مركزية “ضَيْعَة أم الطنافس”. وهو - المسلسل - من هنا يقرأ (السياسي/ السلطوي) من خلال انعزاله بشخصانيته عما دونه، رافعاً سقف الأعمق في الروح الإنسانية قراءةً للفقر والقهر على أنهما حاكم ذو سلطان لا غنى عنه، وقراءةً للظلم وتردي العدالة على أنهما تأليه لنسقيهما. إنها حياة مُنَمْذَجة على أصل تكوينها، ترتاح أكثر إلى العناصر الرئيسة التي تُحرك الوجدان لتعيش الحياة، ولا تعيش الحياة لوأد سلامة قلبها. تلخيص تام لِرد الوجود إلى أصله، أي إلى ما قبل طرد آدم وحواء من الجنة. رُبما. يِسْعِد صباح الحُب طِير وطاير عَدَّى بلاد مجهوله بقلب حاير اللي يبص لفوق يلاقيه ملاك واللي يآمِن صُحْبِته؛ دَمّ ودواير محمد المزروعي | eachpattern@hotmail.com