أحياناً.. تحتاج إلى نسمة هواء خفيفة، فقط لتشعرك أنك موجود، وأن هناك من يستحق المشاغبة الصباحية، ولو طيّرت شيئاً من طرف ثوبك أو داعبت وجهك تلك الريح الرطبة العجلى الندية. أحياناً.. تزحمك ظروف الحياة، مستنطقة جانباً مظلماً في النفس، فلا تجعلها تحدك على التأسف، والبكاء على فعل خير فرحت به، وبلل قلبك بالمسرة حينها. أحياناً فقط.. تريد أن ترى في صباحاتك طائراً مغرداً أو زاهياً بجناحيه يتخطف الأماكن، ليعيد لنفسك بعضاً من ألقها الغائب في رماد الوقت. أحياناً.. وربماً دائماً، تحنّ لحقيبة مدرسية، ودفاتر، وألوان مائية، وصباحات تبدأ بالكسل، وأصدقاء انتزعتهم الحياة من أماكنهم على المقاعد الخشبية. أحياناً.. تتمنى لو أن المطر يسبق الفجر، ويدخل على النفس والمدينة بهجة كانت مخبأة في معاطف سحب شتوية. أحياناً.. يشعرك الركض خلف المدن، أنك تبحث عن ظلك الهارب أو كتف جدك الحاني والحامي أو شيء ضاع من صباحاتك خلف كتل أسمنتية. أحياناً.. فنجان قهوة من رضا، وخد فيه من برد النوم، وعيون لا يغيب كحلها، وصدر يتراقص فيه الحب، يمكن أن تكون نشيداً حلواً للصباح. أحياناً.. تباشير الصباح لا يمكن أن تكون غير تكملة لحلم جميل كان ينام على مخدتك، ناعساً، وهامساً: أن الصبح كله خير. أحياناً.. وربما دائماً، ينتقص الصباح حين يخلو منزل من حديقة خضراء تونس أركانه، ويفح ثراها الرطب عشباً، وتجلب بركة رزق الطير. احياناً.. تتنفس الصبح، وتشعر برائحة كل الأشياء، فقط لأنك قريب ممن تسرّ به، قد يكون باب البيت القديم، نخلة كبرت مع الأخوة، شجرة تين هرمة كالعمة، أصوات جيران الأمس. أحياناً.. ودائماً، كانت ترتيلات وتسبيحات الرجل القادم من صلاة الفجر في مسجد الحارة، والتي تسبق خطاه نحو المنزل الطيني، تعطي للصباحات عطراً صوفياً، ومسكاً وطيباً من وجد. أحياناً.. فقط يكفيك أن ترى أطفالاً كالبهم، لم يتلوثوا بعد بالعمر، ولا بالفهم، قادرين أن يطرزوا الصباح بأشياء من عفوية ليتها تدوم. أحياناً.. ودائماً، تتمنى لو أن خطايا الناس تغيب في الظلام، ولا يصبح عليها صبح طاهر جديد. دائماً.. ودائماً.. يكون الصباح ملوناً، حين ترى خطى الأم من حناء وزعفران توشّي البيت، ليته خدي.. وليتها تدوم. ناصر الظاهري | amood8@yahoo.com