جميل ان يدرك الإنسان خاصية الجمال وأن يعمل بروح الإبداع، فالحياة لها من التمازج ما يدفع المرء نحو التميز، وان يفضي بكل السبل الى حيز الوجود الجميل والمشبع بالمثالية، وان ينثر الإنسان رائحة الإبداع أينما يحل وأينما يغدو، وليصطفي نفسه وعمله بالروح الخلابة، ينطلق من حيث انتهى من خلال دائرة تمزج بصمة العمق الإنساني على مر العصور. فلا يكفي أن ترى الجمالية وتتوقف عندها، بل الجمالية هي التمتع بإيقاعها، والتمتع حين تخلق التفوق ولا تكتفي بالحالة المسيطرة على سائر الحياة، فمنذ أمد بعيد والكون يحيل السكون إلى الحراك الإبداعي الجميل، والحياة دائما مطلة على التجارب الحياتية المختلفة، والإنسان مدرك بأن الخالق عزّ وجل مكانه خلق الإنسان وصوره على أجمل ما يكون، فمن أجل ذلك على الإنسان أن يتواصل مع البريق الجميل، ومن أجل ذلك على المرء أن يصبو نحو الأصالة والتحديث والعنفوان، وعليه أن يبحث عن الرقي بمعالم الحياة وترجمة حرفة الإبداع من خلال التقنية الحديثة، وعليه خاصية النهوض بمعالم الحياة والتي من شأنها أن تسحر الألباب، وأن تفتح شهية الذائقة البشرية على الفطرة الجمالية. لذا المكان يعد أهم الأنسجة الحياتية، والتي يلجأ إليها الإنسان من أجل أن يفضي اليه ليسكن ويخشع، فترى الإنسان كثيرا ما يمتثل لثقافة الحضور والمكان وان يصب جل جهده من اجل المضي نحو الأجمل، ليرسم الإبداع كزخرفة مطلقة، لذا الموسيقى تعد خاصية مكملة للجمالية المكان، فما لفت انتباه المغنية الأميركية الزائرة فقدانها لصوت الآذان، فقالت لي منذ وصلت إلى أبوظبي: لم أسمع صوت الأذان؟ هي تستمتع به وتعلم بأنه يوحي لها بالجمالية التي تعبر عن الثقافة الدينية. وأيضا شدني في أحد المقاهي طريقة عرض قائمة الأكل والشراب، حيث تعنون القائمة بمسرح الذواقة، فرسمت على شكل مشاهد، وجبات الفطور مثلا سميت بمشاهد الافتتاح، ومشاهد البداية كتبت من أجل السلطات، ومشاهد التحمية للحساء، أما استعراض النجوم لقائمة السندويشات، ولم يكتف المصمم بذلك بل نعت الأطباق الرئيسية بالمشاهد الأساسية، والأطباق الجانبية بالمشاهد الثانوية، وتم تسمية أطباق الصغار بالقصص القصيرة، أما الحلويات بمشاهد النهاية، وعرض بعد الظهر للشاي! يوحي لنا ذلك بكثير من الجمالية؟ قائمة ممتعة سواء كانت من ناحية التذوق أو الذوق.. ألا تشعر المرء بأنه على مسرح فعلي، وانه الفنان الذي يعزف على وتر السحر، فالجمالية ان تخلق الروح بالمكان لأن الزمن هكذا يألف الحياة، وهكذا هي الفنون تخلق متعتها في النفس البشرية الشفافة، فكان الفن حاضرا والصورة الإبداعية المؤثرة ايضا حاضرة اينما تقع العين البشرية. ما يمكن قوله: هل نبحث عن لغة الإبداع والتصاميم الجميلة في حياتنا؟ فما الذي نحتاجه إذن لكي نترجم الحياة من حولنا ولا ندع فضاءها خاويا مملا؟.