لعل "المساواة" بين البشر ركن أصيل في أهداف فريضة الحج ومراميها النبيلة والسامية، ولعل القائمين على الحج والساهرين على راحة الحجيج وضيوف الرحمن، ينشدون الراحة للجميع، الصغير والكبير، الغني والفقير، الأبيض والأسود، البعيد والقريب، لذا ترى الحجيج خاشعين لله في بيته العتيق يبتغون رحمة منه ورضوانا يهتفون لبيك.. لبيك! يؤدون الفريضة التي حصرها الله في "القادرين": مادياً ومعنوياً وجسدياً، والذين لا يخافون بخساً ولا رهقا. نقول ذلك بمناسبة اقتراب موسم الحج، وبمناسبة ما يعلن عن أنواع جديدة من الحج عدا: المفرد والمقرن، والبدل عن الغير، مثل الحج الشامل، والحج السريع، وحج المشاعر، وحج مع الفنانات التائبات، وحج "في. اي. بي" وحج فئة 5 و7 نجوم، وحج من الفندق إلى الكعبة المشرفة وبالعكس، وحج العربات الفاخرة من المطار إلى المطار. والمقابل فقط من 120 ألفاً إلى 350 ألف درهم، وكل موسم يظهر نوع جديد من أنواع الحج العصرية، وتظهر إعلاناته المبتكرة والتي تضحّك، وتضحك على اللحى، واحد من هذه الإعلانات يروّج للنوع الجديد من الحج مع مربع خاص كتب داخله: للمواطنين فقط!! وهناك برامج عمرة جوية "مواطنين فقط" وليس لمن يرغب من القبائل، وهناك حج "هل بوظبي" وحج "هل دبي"! ويبدو أن المقصود بالعبارة ليس فقط التغرير بالمواطنين، والانسجام مع قدراتهم المالية النفطية! ومحاولة نبش النزعة الاجتماعية والتفوق الطبقي، وتوريم الذات "المواطنة" مثل هذه الإعلانات التي تركب عربة الدين، وترتدي عباءة التدين، تشعرك وكأن المقاعد محدودة، وإن لم تغرم ذاك المبلغ راحت أعمالك الآخروية سدى، وبلغت شفا حفرة من النار، ولم تحظ بشرف الانتساب إلى فئة "في. اي. بي" في دنياك الفانية، ولم تستغل الطائرات الخاصة، والأجنحة الملكية والأميرية في مخيمات منى وعرفات والسيارات الخاصة والمرفهة في مزدلفة والمدينة المنورة. ونعود لنتساءل: لماذا هذا النوع من الحج للمواطنين فقط؟! وللميسورين فقط، وللمستثمرين فقط، وللرابحين في أسواق الأسهم فقط، وللنخبة فقط، أما الفقراء فعليهم أن يأتوا على ضامر من كل فج عميق، وينتظروا السحب السنوي الكبير لبلوغ مرام الأغنياء، وبهذا يظهر التمايز بين البشر الذين أرادهم الله سبحانه وتعالى أن يكونوا متساوين في الشعائر المقدسة وأداء الفريضة، وعلى قدر الجهد والتعب وما يلقى الحاج من وعثاء السفر، وما تغبّر به قدماه في سبيل الله يكون الأجر والثواب، وتكون الحسنات عن الجوع والمرض والصبر والاحتساب والقيام والصلاة والطواف والسعي والرمي والوقوف بعرفه، وتطهير الروح والسمو بالجسد. وبصراحه إذا كانت كلفة الحج "الممتاز" 290 ألف درهم، فهذا المبلغ اقترح على "المواطن فقط" أن يسيّر به حملة صغيرة قوامها باص من الحجيج الباكستانيين! وستكفيه العبولة والدعاء وزحمة أمكنة الحج! ناصر الظاهري | amood8@yahoo.com