يرحل الفنان إلى عالم المثل، حيث يجد الطمأنينة، والعالم اللانهائي، وحيث تتحقق الأحلام، ويمتطي الفنان جواد الأفكار العشوائية، ولا يكون الرحيل إلا بعد أن يختل التوازن الداخلي والخارجي للفنان، والخلل الذي يهز ذات الفنان، ويخرجها من الجسد المادي إلى الجسد الأثيري، خلل يقع نتيجة للهجوم الفكري الذي يشنه الآخر على الأنا، وأحيانا يكون ناتجاً عن من الهجوم الفكري الذي تشنه الأنا على الأنا نفسها. قبل الرحيل، تقع الذات خارج نطاق الصمت، أي ضمن دائرة الهذيان، والنزاعات الفكرية، وما إن يخرج الفنان من دائرة الهذيان والنزاعات الفكرية، حتى تقلع الطائرة المتوجهة نحو عالم المثل، حاملة معها ذات الفنان وعقله، حين الوصول إلى عالم المثل، تستقر ذات الفنان، ويبدأ عقلة بتكوين أفكار جديدة، وعبر الزمن تلتصق الأفكار الجديدة على هيئة جنين في رحم عالم المثل، ويبدأ الجنين بتكوين خلايا حية تكسو العظام، في كل طور نمو يشعر الفنان بالحركة المادية للجنين، الذي هو في الواقع عبارة عن أفكار غير مادية، تمثل المنتج الفني. وعند الولادة تعود الذات إلى حالة الاستقرار، فترغب بالعودة مرة أخرى إلى الواقع، حاملة بين أحضانها الطفل الذي ولد في عالم المثل، أي حاملة معها أفكاراً جديدة ملقحة، خالية من الشوائب والعبث. هذا المنتج الفني، حديث الولادة، ينمو ويكبر على أرض الواقع، لا يستطيع النمو في عالم المثل، لذلك يتوجب على الفنان أن يرحل، مرة أخرى من عالم المثل إلى أرض الواقع، حيث لم تعد الأنا ولا حتى الآخر، يهز ذات الفنان، لأنها كونت لنفسها درعا واقية، من الأفكار الجديدة، النابضة بالقوة والحيوية، أما الطفل الذي ولد في عالم المثل، فإنه يكبر ضمن شريط زمني مدروس، ويتعلم لغة الفن، لأن الخطبة التي سوف يلقيها أمام المشاهد، خطبة تمتاز بالذكاء والحكمة. وأحيانا يكون فيها نوع من الاحتيال المشروع، يحتال المنتج الفني على الآخر، بغرض الوصول في النهاية إلى بر الأمان، دون عائق الخوف من المجهول، لأن المجهول كائن يتشكل عبر أفكار المشاهد للمستقبل، فإن كانت سلبية وجد المجهول على هيئة شبح، يطارد المشاهد، ويرسم على صدره ملامح الغدر، و إن كانت إيجابية وجد المجهول على هيئة ملاك، يقف إلى جانب المشاهد، ويرسم على صدره ملامح السعادة، فالمشاهد هو الذي يختار المستقبل، وهذا هو الهدف من رحيل الفنان إلى عالم المثل وعودته محملاً بطفل ينمو ويكبر، ليخطب على المنبر هذه الحقيقة. science_97@yahoo.com