كنت أمام ساحة المواقف العامة قبالة المبنى الرئيسي لدائرة القضاء في أبوظبي، ورغم اتساع الموقف وترامي أطرافه، وقدرته على استيعاب سيارات المراجعين، إلا أنك تجد فئة من أصحابها يصرون على إيقاف سياراتهم في المنتصف، وبصورة تعوق في أحايين كثيرة دخول وخروج سيارات السائقين الملتزمين بالنظام. فئة من الناس لا يريدون أن يبذلوا مجهوداً إضافياً، ويصرون على إيقاف سياراتهم في أقرب مكان لبوابة الدخول، رغم أن دائرة القضاء توفر خدمة تنفرد بها دون سائر الدوائر والمؤسسات الحكومية في الدولة، حيث نشرت في تلك المواقف مجموعة كبيرة من عربات “الجولف” التي تنقل المراجعين من مواقف السيارات مهما كانت بعيدة إلى داخل المبنى والعودة بهم في رحلات مكوكية تجسد مقدار حرص الدائرة على راحة مراجعيها ووقتهم الثمين. ومع هذا، تجد من أصحاب المركبات من يصر على مضايقة الآخرين بإيقاف سيارته في منتصف الطريق، وبطريقة مزعجة لمجرد أنه لا يريد أن يبذل جهداً أضافياً، رغم كل التسهيلات المتاحة له ووجود البدائل في تلك المواقف الواسعة. ولمنع أمثال هؤلاء، قامت الدائرة بوضع أعمدة حديدية عند الشارع المواجه للبوابة الرئيسية، وإلا كان هؤلاء قد استباحوا المكان، ومارسوا هوايتهم المفضلة في إيقاف سياراتهم بتلك الصورة غير الحضارية. فالالتزام بالنظام ثقافة في المقام الأول، وسلوك حضاري يمارسه المرء ويجسد الثقافة التي ينتمي إليها ويعبر عنها، ويتصرف على أساسها تلقائياً.
وهذه مناسبة للإعراب عن التقدير والامتنان لما يجده المرء في دائرة القضاء بأبوظبي من تعامل راقٍ من العاملين في الدائرة، والنظام الحضاري الذي تستقبل به مراجعيها بما يعبر عن فكر ونهج قيادتنا الرشيدة بجعل مباني وساحات القضاء نموذجاً يجسد حرص القيادة على أن تكون رموز العدالة سامية سمو العدل الذي تحرص على نشره بين الناس، وتأكيد سواسية الجميع أمام القانون. في ذلك المبنى العتيد الذي تم تجديده ليواكب النهضة الشاملة التي تشهدها إماراتنا، تختفي الصورة النمطية التي نعرفها عن مباني المحاكم من حيث القدم والأثاث المتهالك والأوراق والملفات المتناثرة، وقد عفرها التراب والغبار، والموظفين غير المتحمسين لعملهم إلا إذا كان تربطه علاقة شخصية بالمراجع.
في المبنى الأنيق ولولا اسم الدائرة وشعارها، لتبادر إلى ذهنك، أنك في شركة سياحية، النظافة والأناقة هما العنوان، والنظام سيد الموقف في كل الأقسام التي توجد بها آلة لتوزيع أرقام المراجعين، بحسب أولوية الوصول، وما زاد من راحة المراجعين توسع الدائرة بنجاح في الخدمات الإلكترونية التي تقدمها، ولعل أحدثها ما أعلنت عنه مؤخراً من توثيق عقد الزواج عبر الإنترنت اللاسلكي.
مسيرة إنجاز وعمل متصل حرصت على أن تتميز فيه دائرة القضاء بأبوظبي، لا تطلب فيها من بعض المراجعين إلا الالتزام بالسلوك الحضاري، لكي تكتمل الصورة الزاهية التي نحرص على تمامها نحن جميعاً في عاصمتنا الحبيبة. ولعل الالتزام بالوقوف النظامي أمام ساحات الدائرة أبسط ما يمكن أن يقوم به المرء تعبيراً وتفاعلاً مع الجهد الكبير الذي تقوم به.


ali.alamodi@admedia.ae