يعد جامع الشيخ زايد كمركز إشعاع حضاري ومحراب ثقافي قِبلة لعشاق الصورة والكلمة ومهبط الروح والقلب عند حافة الإبهار الإنساني الذي يتمتع به هذا المعمار الهندسي المذهل والذي يقف شاهداً على حضارة شعب ومعلماً من معالم الإبداع الذي أنتجته قريحة الإمارات لتجعل منه باحة وواحة لذوي الاهتمامات بقراءة سطور المعرفة وتهجي حروف الألفة والوصول إلى المعاني من خلال الإنصات إلى هذا النشيد الكوني الذي يبثه الجامع عبر مكتبته العامرة بأزاهير الكتب الإسلامية والمترجمة إلى عدة لغات ومن خلال معماره الزاهي بنقوش الحب وما يقدمه القيمون على رعايته من رؤى واضحة تجعل المتتبع والزائر أمام مرآة لا تعكس الوجه دائماً، تحتضن الصورة وتختزن أحلام شعب وطموحات وطن فيقف عند محور الكرة الأرضية وفي مركزها ماداً ذراع المودة للإنسانية جمعاء متفرداً في عطائه، متميزاً في بذله حاداً جداً في حبه.
والأمم لا ترقى ولا تنهض ولا يرسخ اسمها في سطور التاريخ إلا إذا كتبت التاريخ بحروف من قلق الحب وسطوة الانتماء إلى المكان ونخوة الاعتزاز بالزمان ونشوة الفرح برائحة الطيب وألوان الزهر وأشجان الطير وألحان الأيك متخايلاً متمايلاً زهواً وعرفاناً.
وأن تتمم هذه الباقة من المنجزات في هذا الجامع بمساحة ينضوي إليها محبو وهواة ومحترفو التصوير الفوتوغرافي تحت عنوان «فضاءات من نور» فإن الخطوة تتسع والحدقة ترسم بريقاً يضيف إلى الشعاع سطوعاً ونصوعاً وينوعاً يلهب الأسماع والأبصار، ويضع جامع الشيخ زايد بمقام قامة الرجل الذي صنع المكتسب الإنساني بروح القائد المبدع وموهبة الحكيم الذي رصع الإمارات بأجمل القلائد وأروع القصائد حتى صارت بلادنا ملحمة من ملاحم التاريخ الحديث وأسطورة تروى في الوقائع المشاهدة والمحسوسة، قبل أن تقرأ في الكتب.. ولأن الإمارات أخذت على عاتقها مسؤولية زرع الأحلام الوردية وبسط الأرض بمضمار النفس والقلب والروح فإن المنجزات المدهشة التي نلمسها في كل يوم تعبر عن الرغبة الجامحة من أجل ترتيب مشاعر العالم وإعادة صياغة أحاسيسه بوعاء واحد يجمع شعوب العالم تحت راية كلمة واحدة ألا وهي الحب.. بالحب وحده صنعت الإمارات منجزها الحضاري وبالحب وحده استطاعت أن تستوطن قلوب العالمين، وبالحب وحده رسخت ثوابت التواصل مع العالم، وعلى سفينة الخير تمضي قدماً هذه الدولة المبهرة في منجزها وإعجازها ومسجد الشيخ زايد أحد فروع النهر الكبير الذي سيروي العالم بماء المكرمات ويسقي عروق الدنيا بأعذب هطوله.


marafea@emi.ae