في كل مرة نلتقي فيها أحد مسؤولي منظمي مهنة الطب ومراقبيها سواء في الهيئات الصحية المحلية، أو التابعة للوزارة، نكتشف كمّ محاولات المتاجرين بأرواح البشر، والساعين لكسب الدرهم والدينار حتى على حساب الناس وصحتهم وأرواحهم.
إن قطاعاً مثل القطاع الصحي، وبحكم تعامله بشكل مباشر مع الناس، مؤتمن على صحة المجتمع وسلامته، ينبغي أن يلغي من حساباته تماماً مسألة التزوير والتلاعب والغش، وغيرها من الحيل والوسائل غير المشروعة لزيادة غلته اليومية من البيع، ورفع أرباحه، وتعويض كساد يوم أو شهر، كما يفعل بقية التجار، في أغلب إن لم يكن كل القطاعات التي تلجأ للكثير من التحايل والتلاعب وأحياناً الغش للترويج لبضاعة، أو تسويق وتوزيع سلعة ما منتهية الصلاحية أو غير صالحة للاستهلاك، فليجأ من لا ذمة ولا ضمير له، للتلاعب بالمشتري وخداعه، وغشه، للتخلص من هذه المواد والسلع ومضاعفة الكسب من جهة أخرى، خاصة إذا كانت تلك السلع تباع بأسعار مرتفعة، فكلفتها تكون كبيرة وكذلك مردودها يكون مرتفعاً.
ولكن للأسف الشديد نكتشف كل يوم، أن نهم التجار لمضاعفة أموالهم، وجشعهم لاتحده حدود، ولا تردعه مبادئ وقيم، فالمهم عندهم المادة والربح، متى ما تحققت لا يسأل بعض التجار عن كيفيتها، فالأرقام التي كشف عنها مدير إدارة التنظيم الصحي بهيئة الصحة في أبوظبي توضح حجم تلك التجاوزات والمحاولات التي سعى أصحاب النفوس الضعيفة لاستغلالها، والعبث بسلامة وصحة المجتمع، إذ أغلقت لجنة التراخيص بالهيئة ست صيدليات بأبوظبي العام الماضي، لارتكابها مخالفات، وبحكم صرامة العقوبة نتوقع كبر جرم هذه الصيدليات، كما كشف مدير إدارة التنظيم الصحي عن مخالفات بالجملة، فيها من الغرابة العجب الكثير، وكلها مخالفات تدرج ضمن العبث بأرواح وسلامة المجتمع، كبيع أدوية لا تصرف إلا بوصفات طبية، لخطورة هذه الأدوية على سلامة الفرد، وتأثيراتها، وضبط صيدليات تعمل دون وجود صيدلاني، إذ يكتفي بعض التجار الجشعين بوضع الحارس أو البائع غير المؤهل طبياً وغير المرخص بالتصرف ببيع أدوية وصرف وصفات لا تقبل الخطأ الذي يكون فيها مكلفاً وجسيماً، ومن أغرب الحقائق المزعجة هي رصد مخالفة تراكمت منذ ثلاث سنوات، تنوعت بين عدم وجود صيدلاني، وبيع أدوية لا تصرف إلا بوصفة طبية، وحفظ أدوية بطريقة خاطئة، ووجود أدوية منتهية الصلاحية، ووجود حشرات وفئران بالصيدلية، وهنا أستغرب ماذا تنتظر الهيئة من هذه الصيدلية، ما دامت لديها تراكمات بهذا النوع من المخالفات، وكان الأجدر بها أن تنضم لقائمة الصيدليات الست التي تم إغلاقها، وهو ما ينساق على الصيدلية الأخرى التي ضبط على أرففها حليب أطفال انتهت صلاحيته للمرة الثانية.
إن هؤلاء المتاجرين بأرواح الناس والأطفال يستحقون أكثر من إغلاق منشآتهم.


m.eisa@alittihad.ae