يقول المتنبي:

ولم أر في عيوب الناس شيئاً 
                                  كنقص القادرين على التمام


ورغم أن المتنبي لم يرسلها قاصداً الكهرباء وفواتيرها وطوابيرها، إنما نستحضر حكمة زمان لتنير لنا سبيل اليوم، واليوم ليس من قصور أشد من أن لا تواكب بعض المؤسسات سير النهضة الشاملة في البلد، فالبلد يسير خطواً نحو الأمام، وهذه المؤسسات تجره إلى الخلف أو تجد البلد مشرقاً، وتلك المؤسسات الخدمية مغربة، تدهشك حداثة البلد، والعصرنة الجديدة التي ينعم بها، وتخيب ظنك الخدمات البطيئة والقديمة والمتأخرة في هذه المؤسسة أو تلك، وكأنها ليست ضمن منظومة البلد الناهض في كل شيء، ولنقرب المسألة أكثر، بعيداً عن حكمة المتنبي التي لم تسمع بها هذه المؤسسات التي تعمل بطاقاتها الدنيا، رغم أنها مصدر كل الطاقة، فاليوم لا يمكننا أن نتخيل إلا شركة مثل اتصالات المتطورة تليق بخدمات بلد يسابق الوقت مثل الإمارات، لا يمكننا أن نتخيل شركة مثل «سليب كول» تدير سوق الاتصالات وقطاعاته التي تشهد كل يوم شيئاً جديداً ومفيداً ومتطوراً، وبالمقابل النهضة المدهشة في أبوظبي، والتسابق نحو تحضر الخدمات، وتقدم المؤسسات، والدخول في عصر التميز، لا يمكن أن نقبل فيه برؤية طوابير الدفع للصندوق، كطوابير الجمعيات أو المخابز في البلدان المحكومة بالفقر والروتين والبيروقراطية، لا يمكن أن لا تعرف شركة الكهرباء في أبوظبي غير منافذ الدفع بالوقوف طويلاً، والانتظار كثيراً، والعذاب اليومي المنتظر، فالشاهد لزحمة وطوابير دفع فواتير الكهرباء، وتراص الناس، وازدحامهم في وقت الصيف الذي يبدو أنه لن ينجلي هذا العام، سيتملكه العجب، وسيعتقد أننا ما زلنا على أيام موظف قارئ العداد، وأيام الأسلاك الكهربائية الظاهرة، هناك عشرات الطرق المتحضرة لدفع الفاتورة بدءاً من البنك الذي تتعامل معه، وانتهاء بالدفع عن طريق هاتفك النقال، وهي طرق حضارية تخدم الإنسان وكرامته، واقتصادية تسهل على الشركة وتقلل مصاريفها، وتخدم الزبائن وتوفر وقتهم وجهدهم، وأعرف أن اللوم سيكيله الواحد على الآخر، فشركة الكهرباء ستقول: والله ما قصرنا، لكن الحق على الزبائن، وكسلهم المتأخر حتى آخر لحظة أو حتى قطع التيار، أما الزبائن فسيقولون: والله نحن الذين لم نقصر، غلّوا الكهرباء ورضينا، حاسبونا بأرقام تقريبية ودفعنا، طوابير ووقفنا، وكالوا كل أخطائهم على الـ»سيستم» وسكتنا، لكن اليوم نريد تغيير الـ«سيستم»، والله أنني أخشى ما أخشاه أن يقوم واحد «ولد حلال» ويصور مشهد الاندفاع البشري وتجمهر المراجعين حول المبنى، والأوراق التي في أيدي الناس المرفوعة، والتي تُهَوّي على الوجوه التي تتصبب عرقاً، وينشره عبر مواقع الاتصال الاجتماعي، ويقول: إضراب عمالي، ورفع لافتات وعرائض ومناشير ورق، والناس هذه الأيام تصدق كل شيء!


ناصر الظاهري | amood8@yahoo.com