«الذي يكون ستراه»، ثلاث كلمات تاريخية منعت سقوط الأندلس أربعة قرون! كلمات نقشت في جبين التاريخ وسطرت ملحمة صمود منعت سقوط بلاد بأكملها، ودحرت جيوشاً جرّارة، وزرعت الخوف والرعب في قلب جبابرة عاثوا في الأرض فساداً. إنَّ من الكلمات ما تعجز عن فعله جحافل الجيوش، وما يفوق فعل المعجزات. لا نعود إلى التاريخ بكاءً على أطلال مجد مشرق مضى، أو هروباً من واقع التمزق الذي نعيشه، بل نعود إليه اعتباراً بدروسه، وإن كان ذلك لا يمنع من الفخر بحضارة ثمانية قرون في الأندلس وحدها، ما زال الغرب يقتات عليها. قتل ألفونسو السادس ملك قشتالة وفظع بأهل طليطلة العرب بعد أن حاصرها عاماً، في ثلاثة أيام فقط واستباح المدينة التي شهدت أربعة قرون من تسامح العرب المسلمين في مجزرة من أبشع مجازر التاريخ، لا يمر عليها مؤرخو الغرب إلا لِـماماً. يهدد ألفونسو المعتمد بن عباد بجبروت ووقاحة، ويحس المعتمد بن عباد بالخطر والإهانة وما من خيار إلا المواجهة، ولكن كيف، لا بد من الاستعانة بالإخوة ولو كانت لهم مطامع في الملك. فيقول المعتمد لابنه الرشيد «أي بني: أنا في هذا الأندلس غريب بين بحر مظلم وعدو مجرم، وليس لنا وليٌ ولا ناصر إلا الله تعالى.. فها هو ألفونسو يا ولدي، قد رفع رأسه إلينا، فإن نزل علينا كما نزل بطليطلة، فسوف يقتلنا، أو يجعلنا رعاة لخنازيره، وأنت يا ولدي تخشى أن يسلبني بن تاشفين ملكي؟! وإني لأسألك بالله: فأيهما أشرف لأبيك: أن يرعى الخنازير في قشتالة.. أو يرعى الإبل لابن تاشفين في مراكش؟!». يلبي يوسف بن تاشفين نداء المعتمد، فيوجه ألفونسو خطاباً متعجرفاً لابن تاشفين: سمعت أيها البدوي الذي لا يعرف شيئاً عن قتال صناديد قشتالة، أنك تنوي السير إلينا، فرأينا أن نكفيك العناد، ولا نكلفك التعب، فأنا قادم إليك حيثما كنت رفقاً بك، وتوفيراً عليك، وسترى حين تواجه جيوشي - هذا إذا لم تفر بمن معك قبل اللقاء - إن معي من الرجال من أستطيع أن أهزم به الجن والإنس.. فماذا تكون أنت أمامي أيها البدوي الصحراوي؟! فقال ابن تاشفين: هذا خطاب طويل يدل على قلة عقل، اكتبوا ردي عليه على ظهر كتابه، وهو لا يزيد عن ثلاث كلمات: «الذي يكون ستراه». وتكون هذه الكلمات الثلاث كالصاعقة ارتجف لها قلب ملك قشتالة ألفونسو ليدوس على كبريائه، مستنجداً بولاة الأقاليم، والبابا في روما، ليستخدم نفوذه مع أمراء جنوب فرنسا: يا صاحب القداسة، لقد بُلينا برجل يؤثر العمل على القول بخلاف الذين كانوا يؤثرون القول على العمل.. وإني لأخشى إن لم نصده أن يظهر على أوروبا كلها، وينشر رايات الدين الإسلامي على فرنسا وإيطاليا. Esmaiel.Hasan@admedia.ae