يعبر البشر في المنعطفات مضطرين إلى مجاراة الطريق المائل والمنحرف والمتعرج والزلق، وخلال مرورهم قد يتهاوى كثيرون وقد يتغير البعض ويلغي قناعاته السابقة ويبدأ بالإيمان بفكرة جديدة عن جدوى المسير إلى المصير، وآخر قد يتوقف ويعود مستلذاً بحلاوة الركون إلى الكسل واللاجدوى. أما الحكماء فيدركون أن الدروب وإن تتعددت أشكالها فهي غير مهمة لأن السالك المتنور هو الذي يقطع الطريق منتبها إلى دروسها الكثيرة التي تمر عليه تباعا ومنها درس الانعطاف. كل درب في أصله الأول ليس له بداية بل هو منعطف، أي أن المنعطفات هي البدايات الحقيقية لكل شيء. هكذا نتغلب على فكرة المكان بالنظر إلى اللحظة التي نعيشها بأنها منعطف له بداية ونهاية، وأننا نعيش لفترة في هذا المنعطف ثم نعبر منه إلى غيره في سلسلة متشابكة ومتعرجة تشبه تفرعات شجرة حياتنا التي لا تتشابه أبداً بين شخص وآخر. والزمان وإن بدا للبعض مستمراً لا يتوقف إلا أنه عبارة عن حلقات متصلة وكل حلقة هي منعطف لا بد أن نعبر منه إلى الحلقة التالية. هناك من يقبع في هذه الحلقة أو تلك زمنا طويلا، وآخرون يمرون فيها خفافا قافزين من هذا الغصن إلى غيره مثل طيور الحرية بلا عوائق أو منغصات. في حياتنا اليومية لحظات أو منعطفات صغيرة لكنها كبيرة الأثر والفعل، أحياناً يضطر الفرد إلى الانعطاف في شارع فرعي هرباً من الزحام ليجد مصيراً عملاقاً في انتظاره، ومثل الفرد قد تمر الدول والأمم بانعطافات في مجرى التاريخ، لكن الأمم الحكيمة هي التي تعرف كيف تستثمر هذه اللحظات وتجيرها لصالح المستقبل. فيما شعوب أخرى كثيرة قد تخوض المنعطف وتقدم التضحيات، لكنها بعد ذلك تنزلق إلى حفرة الفوضى وقد يعميها الطمع فتتقاتل على قطعة الجبن وفي النهاية لا يفوز أحد. والانعطاف يقود على الأغلب إلى المشي في درب جديد حيث يقرر أصحاب الرؤى الخوض فيه بلا خوف والاستبسال لاستشراف نهايته أو الوصول إلى المنعطف التالي، مدركين أن الحياة عبارة عن رحلة ذهاب مليئة بالمنعطفات، وانه لا يوجد طريق مستطيل واحد وإلا كان الوجود جافاً وبلا معنى، لذلك يرحب دعاة الفكر الإيجابي بأي نوع من التغيير الذي يطرأ على حياتهم ويعتبرونه تحدياً جديداً يحمل الكثير من الدروس فيما يخاف غيرهم ويجلسون أسرى التردد ويختار بعضهم عدم إكمال طريق لا يعرف نهايته مسبقا. يخرج الفرسان إلى غابة الخوف ويتفرقون في منعطفاتها الكثيرة ويكتبون بحوافر خيلهم أسطورة انتصارهم على فكرة المتاهة. ويركض الشعراء في غمام الكلمات إلى أن يجرفهم الخيال إلى الانعطاف في نهر بكر ينثرون عليه حروفهم لتحيا من جديد. وبين كل منعطف وآخر يتم إبداع الحياة التي تجدد نفسها بلا توقف مهما تكاثرت المنعطفات. akhozam@yahoo.com