إنه موسم العودة للمدارس، العودة للشغف بالقرطاسية التي صرنا نتأملها بعد أن كبرنا بعيون مشفقة على حالنا السابق حين كانت القرطاسية بسيطة ومحدودة ومن نوعيات رديئة. من منا لا يتذكر رحلة السوق لشراء القرطاسية، المساطر الخشبية الطويلة، تلك التي زودت بشريحة معدنية نسميها (السكين) ونخاف منها أكثر من أهلنا الذين يزجروننا بعنف إن أمسكنا بواحدة منها لتلامس أيدينا الصغيرة حافة السكين بخوف وجزع! تتراءى لي في الذاكرة ممحاتي المزودة بفرشاة، رائحة «الربل» الحادة فيها، وممحاة الحبر التي عرفناها كميزة لطلاب الإعدادية فهم فقط من يكتب بالقلم الحبر ونحن لا نزال في الابتدائية كل أقلامنا «بنسل» صفراء مخططة بالأسود نبريها بشغف حتى تصبح قصيرة قزمة. ونفرح بطولها الذي يسبب لنا ضحكات الأهالي. هل تذكرون الدفاتر؟ من منكم كان يشتريها؟ كنا نكتفي بشراء دفاتر قليلة لنكتب فيها إلى أن نتسلم القرطاسية من إدارة المدرسة، فتصلنا دفاتر فاخرة عليها صورة عزيزة. ولا تحتاج للتغليف. نشتري حاجاتنا في مشوار واحد وغالبا من مكان واحد، يزدحم السوق القديم بالصغار والفتيات الفرحات بتجريب حذاء المدرسة بينما البائع العجوز يلقط بأذنه أسماءنا لينادي رب الأسرة: تعال هذا زين من شان مريوم! لم أذكر أن الأولاد كانوا يحبون المدرسة، لكنهم يحرصون على أن يكونوا أول من يركب السيارة في مشوار شراء أغراض المدارس، ويقضون الوقت في السوق يلاحقون الحمام ويجربون الألعاب ويغيظون الباعة. شراء قرطاسية المدرسة بالنسبة لطلبة لن يحصوا على غيرها إلى نهاية العام كان عيداً بحق، لا نستغرق الكثير من الوقت في انتقاء الحقائب فالبضاعة محدودة الشكل تجبرك على اختيار ما يفيدك دون الاهتمام بشكله كثيراً، وغالباً ما تقف الأم وراء ابنتها لتختار لها الحقيبة فتشتري واحدة فضفاضة ذات جيوب كثيرة، حجتها في ذلك: ترا البنية بتسير صف سادس بيزيدون عليها الكتب وما تسدّها الشنطة الصغيرة! العودة من شراء لوازم المدرسة للبيت إكمال للفرحة، دائما ما يتسيد الأب الموقف فيبدأ بتوزيع الأغراض والأطفال متحلقون حوله وعادة يمسك كل واحد منهم بحقيبته فيضع فيها ما يلقيه له الأب وهو يسأله: يكفيك قلمين؟ تبا قلم أخضر؟ عطيتك مقلمة؟ الأولاد الذين لم يهتموا بعملية شراء الأغراض في السوق يجادلون ويصارعون للحصول عليها في البيت، ويمتد الصراع إلى أخذ بعض الأغراض البناتية عنوة من شقيقاته معللين ذلك بأن «هالمسطرة عليها سنفور مفكر وهذا ولد. لو سنفورة بعطيج إياها!» اليوم أعادني الوقوف أمام الرفوف الطويلة لشراء لوازم القرطاسية المدرسية إلى ذكرياتي أيام الثمانينيات، فكان للحنين إليها وهج خاص يشبه ذاك الذي رأيته في عيون الطفلات المبهورات بحقائب فلة الملونة وأقلام الكتابة المزودة بالريش والقلوب والقصاصات اللماعة.