هل يمكن أن يظهر عندنا مصطلح جديد يرافق مصطلح “الربيع العربي”، يسمى “الإرهاب الإعلامي” حيث قادت بعض الفضائيات العربية معارك التحرر، ونقول قادت، لأن كلمة مشاركة أو مساهمة أصغر من دورها الفعال، وأثرها البالغ، حيث رأينا هذه القنوات تسبق خطى الثوار، ورأينا لافتات ترحب بها في ساحات التحرير، ولافتات تصفها بالشريكة في النصر، والشريفة على الدوام، والحرة في قول الصدق والحقيقة، كما رأينا مراسليها في الخطوط الأمامية، وفي مشاهد من مسرح إدارة العمليات، وضمن صفوف الشهداء، والمختطفين، إذاً الدور كبير ومؤثر، ولا يمكن أن نختصره بالمساهمة أو المشاركة من بعيد، وحينما تقلد قناة من القنوات هذا الدور في مرحلة مفصلية من تاريخ الشعوب والأوطان، وتتكل عليها الجماهير الثائرة والمنتفضة ضد الأنظمة وفسادها، فإنها تسمح لنفسها أن تكون الحربة الإعلامية التي تطعن، والترس الذي يحمي، وهنا يكمن البعد عن الموضوعية، ويكمن الانحياز، ويكمن التخلي عن المهنية، لأنها تشعر أنها تقوم بواجب مقدس من أجل نصرة هذا الشعب ضد حكومته ونظامه، والواجب المقدس عادة ما يكون محاطاً بالعواطف الجيّاشة والاندفاع غير المحسوب، والكثير من التبني والأبوية، ولو على حساب الحقائق وإنصاف التاريخ، وجرّ أبرياء في سيلها المندفع، هذه القنوات ما كانت لتقدم على هذه الخطوة لولا تلك المباركة غير الرسمية من الشعب المتظاهر ضد القمع والفساد وسلب الحرية والكرامة في بلده، ولولا ذلك التتويج غير المعلن من الشعوب العربية التي اتخمت من الإعلام الرسمي وأصنامه وكذبه الصريح، فأقدمت تلك القنوات بثقلها، ونحو دورها غير مدفوع الثمن، لأنها تعده من ضمن أهدافها ومرتكزاتها وقيمها النبيلة في الدفاع عن الإنسان العربي وحريته وكرامته، لكن في المقابل رأينا قناة وهي تدافع عن ما يحدث من ربيع في أرض الكنانة، لكنها تمجد ربيعاً آخر في بلد جار لمصر، وهي ليبيا.
هل يمكن أن نعد ما قامت به بعض القنوات في ربيعنا العربي بمثابة إرهاب إعلامي؟ بحيث لا نستطيع أن نتنفس أخباراً إلا ما تريد هذه القناة أو لنقل لأنها تعرف ببواطن وخفايا الصدور، فتعطينا ما يفرحها، وبذلك تشكلنا نحن الجاهزين للتشكيل، ثم يكون رأينا رأيها، حتى لا نريد أن نسمع شيئاً مختلفاً عن نبرتها أو نقلها ولو كان مشوشاً أو صورتها حتى ولو كانت مغبشة، هل فرضت بعض هذه القنوات الإرهاب الإعلامي بحضورها الضخم وتواجدها في مناطق الظلام والمحرمات، وتسيدها للساحات؟ وقد سهل لها الإعلام الرسمي المتكلس والبيروقراطي والمتأخر تقنياً، وإحادي النبرة أن تمارس في أوطانه ذلك الإرهاب الإعلامي المرضي عنه، والمرحب به!


amood8@yahoo.com