كنت في العاشرة من عمري عندما شَهدت دبي الحدث التاريخي الأكثر تفاؤلاً وتفاعلا مع مجتمعها في بداية السبعينات ألا وهو الاحتفال بزواج الشيخ مكتوم بن راشد (رحمة الله عليه)، فرقص في عرسه الكبير قبل الصغير لما لمثل هذا الزواج الميمون من رمز، فكان نقلة نوعية جسدت الحب الصادق وبشرت بالجديد فحلقت بخفة أجساد الراقصين حتى طاروا بأحلامهم بعيداً.. لقد كان مهرجاناً وفرحة شملت الإمارة بأكملها كذلك كان التوقع في محلة. وبعيداً عن فرحة ذلك اليوم، فارقنا “بوسعيد” في مثل هذا اليوم تاركاً ذكرى وخصالاً من صفاته تلك التي رسخت سمات هيئته بذلك العقال. لقد عرفت الشيخ مكتوم عن قرب ونشأت معجبة بشخصه وشخصيته فهو متواضع أو كما نقول “نفسه صغيرة”، وكلما رأيته كان مجسداً لقوله تعالى ‘’ولا تمش في الأرض مرحاً إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا’’. فكانت سيارته عادية ولوحات أرقامها لا توحي الا بأن سائق السيارة هو من عامة الشعب “منا وفينا” إلا أن عقاله وكما هو الحال دائماً يميزه، كان (طيب الله ثراه) مستمعاً، له حضور غير عادي ونظرةٌ ثاقبة ومقدرةٌ فريدة على خوض حوار بلا كلمات! إلا أن كلماته كانت كالنقاط التي تمنح الحروف كمالاً وجمالاً فتزدان بالمعنى. مراراً وجدته يقف على جانب الطريق يتحدث مع مكفوف كان يقصده بين الحين والآخر ويطول الحوار بينهما ثم ينفرج بابتسامة متبادلة توحي بشروق شمس بزغت من كرم شيخنا رآها الكفيف فأنارت له دروب الحياة. لقد حاكت التفاتاته السخية والإنسانية ما حاكى وصان كرامة قاصديه، فيداه (رحمه الله) كانتا كخور دبي له ضفتان وكلاهما سخي ومعطاء !!! اليوم نذكره فنترحم عليه، فهو الذي أفرحنا كثيراً وأحزننا فراقة أكثر وبقي العقال المكتومي بصمته وهويته في الذاكرة كرمز للشباب والتجدد، انفرد به وحده من دون سواه. لقد ربط شيخنا وعقاله المميز ما سجله التاريخ وتناقلته الأجيال بفخرٍ واعتزاز، وظل زواجه مرجعاً تاريخياً لكل من عاصروا تلك الفترة وما انبثق منها من فرج. عقال مكتوم وطد عروبته وهوية الإمارات فهو اليوم تاج يخلد ذكراه كل من قاموا بثني عقالهم، من منا لا يذكره عندما يرى عقال لُبس بتلك الطريقة؟ ما عسى المرء يكتب عن رجل مثل الشيخ مكتوم (الله يغفر له ويرحمه) لقد كان نعم الراعي والوالي. في مثل هذا اليوم سمعتُ والدتي التي عملت عنده لعقود ترثيه قائلة: “الله يرحمك يا بوسعيد، أيه.. هاي بيضا وهاي خليه!”. bilkhair@hotmail.com