حكى د. ليوفيلس بوسكاجليا أستاذ التربية بجامعة كاليفورنيا في كتابه “الحب” عن تجربته حين أودعوه في المدرسة الابتدائية فصل المتخلفين عقلياً، فقط لأنه لا يجيد اللغة الإيطالية، تحدث عن البطاقات الجاهزة التي كانت تجهزها المعلمة وتلصقها على ظهر التلميذ عقاباً، لكنها دون أن تدري تلصق به صفة تلازمة طيلة طفولته!! كلنا اليوم نقوم بإلصاق وصف ما بإنسان دون أن نتساءل ماذا نعرف عن حقيقته كي نصفه بهذه الصفة، نحن الذين لم نتوقف للحظة وأن ننتبه إلى أن هناك أشياء جميلة جداً بداخله، أشياء سوف تدهشنا حتماً حين نقارنها بالجزء الضيق الذي يظهر لنا من شخصيته. كتب الدكتور ليو في كتابه: “في أحد الأعوام، أقدمت إحدى طالباته على الانتحار دون أن يعرف أحد من المقربين منها سبباً لذلك، فتذكّر هو عبارة قد كتبها على أحد أوراق إجابتها يقول فيها: ورقتك ممتازة، تدل على إدراك مميز، وعلى دقة وذكاء واضحين، إنها تكشف عن مقدرتك على استخدام خبرتك المكتسبة من حياتك الحقيقية هذا بحق جهد طيب!! حين وصله خبر انتحارها، تساءل: وماذا اعرف عن حياتها الحقيقية؟”. نعم، إن الجانب الضيق هو فقط ما يظهر لنا في شخصيات تبدو شديدة القرب منا: آباؤنا.. أمهاتنا، إخوتنا، أصدقاؤنا.. إلخ ، تلك الأسئلة دفعت ليو لأن يقوم بتأسيس فصل دراسي في الجامعة يُتاح فيه للطلاب من جميع المراحل وحتى من خارج الجامعة الانضمام له أو الانسحاب منه في أي وقت يشاؤون، ليتيح لهم فرصة اكتشاف الأشياء الجميلة في العالم من حولنا وفي أنفسنا أولاً، وسمى ذلك الفصل فصل الحب. توقفت عند هذه الحكاية ضمن هذا الكتاب، يقول الدكتور ليو: “أُجريت في قسم علم الاجتماع بإحدى الجامعات الأميركية تجربة طريفة، وعلى جانب كبير من الأهمية، وكان الأستاذ يناقش مع طلابه دوافع العطاء وعلاقته بالمسؤولية، وطلب منهم أن يعطوا عشرة سنتات إلى واحد من ثلاثة، كلهم في حاجة لمساعدة: أولاً: ضحايا القحط الذي حدث وقتها في جنوب الهند، واستدعى مساعدات عاجلة للإبقاء على حياة أعداد كبيرة من النساء والأطفال الذين مات بعضهم من الجوع والرجال الذين شردهم اليأس.. ثانياً: وإما أن يختاروا تقديم السنتات العشرة إلى صندوق إحدى الجامعات للمساعدة في الإنفاق على تعليم طالب فقير متفوق في دراسته، لكنه مجبر على ترك الجامعة لحاجة أسرته التي تعاني الفقر المدقع إلى مبلغ من المال لن يأتى إلا بتفرغه للعمل اليومي الشاق.. ثالثاً: أو يختار الطلاب تقديم هذا المبلغ مساهمة في صندوق لجمع التبرعات من أجل شراء آلة تصوير طابعة جديدة لخدمة الطلبة، وهي بلا شك سوف تيسر لهم طبع الوثائق والمحاضرات.. وتفيدهم في دراستهم.. جاءت النتيجة على نحو توقعه البعض، وأحدث صدمة بالنسبة للآخرين، فبعد أن أُجري الاقتراع السري، ظهر أن أكثر من 85% من الطلاب جعلوا الأفضلية في إعطاء المبلغ إلى صندوق التبرعات لشراء آلة التصوير الطابعة؛ لأنها تتعلق بمصلحتهم المباشرة.. وكانت النسب التالية ومقدارها 12% من الطلاب ترى إعطاء المبلغ في مساعدة الطالب لاستكمال دراسته، و3% فقط اختاروا إعطاء النقود لأكثر الحالات حاجة للمساعدة العاجلة، وهي إنقاذ أرواح ضحايا المجاعة المهلكة في الهند. عائشة سلطان | ayya-222@hotmail.com