في الصباح الباكر يقف طفل صغير أمام بيت منزله ينتظر الحافلة لتقله ليبدأ رحلته السنوية داخل جدران المدرسة، ولتزدهر أحلامه الصغيرة وتقوى إرادته، يشق هذا الصغير طريقه للحياة منذ أن يبدأ بحمل حقيبته المدرسية نحو «الباص»، مشهد عشنا تفاصيله في الماضي وأصبحنا نشتاق له كلما تقدم بنا العمر. في الأمس أغلقت المدارس أبوابها وها نحن نقف أمامها، كل شيء مر بلمح البصر كما مر الشهر الكريم. الضجيج الجميل يعم المكان.. الحافلات.. أصوات الطلاب.. والأهل.. الحياة بدأت تنبض في المكان حتى زحمة المرور اشتقنا لها. تقف أمام الإشارة الحمراء وترى العالم من حولك الكل ينتظر ولكن الطلاب في الحافلة لهم شأن آخر، فمن خلال نافذه الحافلة المستطيلة تشاهد الطلاب في حالاتهم المختلفة بعضهم يسرح بفكره إلى المنزل وفراشه البارد وآخر ينظر إلى السيارات ويتمنى أن يقود واحدة لينطلق بها حيثما يشاء، وهناك من يتحدث إلى زميله ناسياً زحمة الشارع، وآخر يمسك بقلم ويسطر «خربشاته» على ورقه ليصنع منها صاروخاً يحلق في السماء تحت سقف الحافلة، وهناك من يلهو ويتجادل ويصرخ إلا أنهم كلهم يجلسون داخل هذا المستطيل الطويل ذي العجلات الأربع وأعينهم شاردة في اتجاهات مختلفة. تقف الحافلة بالقرب من منازلهم ويتذكرون فجأة حقائبهم المحملة بالكتب والدفاتر والأقلام يحملونها أو يجرونها خلفهم، وزنها الثقيل يشعرهم بأنهم يحملون مسؤولية على أكتافهم يدركون أنها تخصهم وحدهم حتى لو تذمروا منها. كنا نسأل دائماً ونحن صغار ما الذي يجذبك في المدرسة؟ ودائماً ما يكون الجواب.. جرس «الفسحة» الفرصة أو «البريك» وجرس «الباص» أو انتهاء الحصة الأخيرة، طبعاً إجابتنا ستختلف الآن.. ولكن أظن أن أغلبنا سيقر بأن جرس «الباص» مهم جداً ليس لأنه إعلان انتهاء الدوام ولكن هو لقاء وصحبة طيبة تجمعنا. قصص الحافلة لا تنتهي فيه نحكي لزملائنا عن يومنا الدراسي ورغبتنا في الانتقال من هذا الفصل إلى آخر، ونتشارك في إحصاء الكتب التي حصلنا عليها وتقييم معلمينا وبعض زملائنا في الصف.. تحمل الحافلات المدرسية أو حتى الجامعية ذكرياتنا وضحكاتنا وشقاوتنا وتواقيعنا ولا نحمل من هذه الحافلات إلا ما علق في ذاكرتنا. تحملنا هذه الحافلات وتحمل معها مستقبلاً وأحلاماً لا تنتهي بمجرد وصولنا أو مغادرتنا الحافلة بل تستمر.. ويبقى في الذاكرة «باص» الأحلام الذي يشبه كثيراً صندوق الحكايات، وكل عام دراسي وأنتم بألف خير. ameena.awadh@admedia.ae