دأب “الغاف جاليري” مع بدايات حضوره على الساحة الفنية بأبوظبي، على إقامة تقليد سنوي رمضاني، بغرض الاحتفال فنياً بالشهر الكريم، عن طريق عمل معرض جماعي، بعنوان “ بازار رمضان الفني”. والقول هنا، أنه لا مانع أبداً من استعارة حدث عام، لإقامة نشاط لا يتماشى مع جوهره، لكن الزائر لمعرض هذا العام، لا يجد تلك اللُحمة الفنية البصرية التي تطرح قيماً فنية ذات مشروع ولو بعيد عن اللمحة الرمضانية، سوى الالتقاء في مكان واحد. وندرك على الفور أنه فعلاً “بازار”. لا يضع فارقاً بين أن تكون الأعمال المطروحة فيه ومن خلال جاليري فني متخصص، مختلفة كثيراً عن عرضها في سوقٍ عام. وعلى حد علمنا أن هذا التقليد الرمضاني فنياً وبصرياً - ومن جاليري فني متخصص - هو الوحيد في العاصمة أبوظبي، مما يجعل تثمين الفكرة خليق بالانتباه لها. فشهر رمضان يحمل في طياته طقوسه الدينية والثقافية، واستدعاءاته الروحانية، التي بلا شك تعطي الفنان دافعاً لاجتراحات بصرية خاصة بطبيعة الشهر، كما بمحاولة استمالة الفنان نفسه لإنتاج معادلة بصرية مستقاة من هذه الطَيَّات المُتصلة مباشرة بالسماء. فالمناسبة هي فرصة لتعميق الحدث الفني، وجعل احتفاليته بحثاً في الذات العالمية للثقافة الإسلامية، من المسلم وغير المسلم سواءً بسواء، لنرى تَقْدِمات بمرجعيات رؤيوية مختلفة، ستعكسها بالتأكيد خاصية جعبة كل فنان على حدة. إن ما يثير الرغبة في الذهاب إلى “بازار رمضان الفني” هي الرغبة في الإطلاع على ما يفترضه العنوان بظاهره وباطنه، في ارتباط ذلك بكونه تقليداً سنوياً، أي مشروطاً. وهذا أيضاً ما يؤدي إلى فهم أن هذا النشاط قد أصبح “مَعْلَماً”. وما هو “المَعْلَم” إلا مزار دائم، لمتحف أو ميدان مشهور، أو بقايا قصة من خلال أطلال. بما يعني أننا نريد من الذهاب إلى زيارة “رمز” ما، أن يدلنا على ما في هذا الرمز من خصوصية واختلاف، ومِنْحَاً للحظة جديدة. لكن معرض هذا العام في أغلبه، بعيد عن وَضْعِ لبنة لأي من هذه الأفكار، وليس هناك فيه من دليل رمضاني غير الزمن وبعض أعمال تقول بأنها من البيئة الخليجية. إن تجربة الصيام، كَفِعل أو معاينة، بإمكانها أن تخوض تجربة من خلال عقل الفنان، وأن تتحرك بخاماته الفنية إلى اكتشافات تعبيرية تجريبية، هذا إذا ما كان الوازع الثقافي دافعاً لفهم الآخر الخاص بنا من دواخلنا، أو فهم الآخر المختلف عنا ثقافياً ودينياً، لنا ولنصوص حياتنا العربية. هذه هي إذن الهبة التي من الممكن أن يقدمها ويعمل عليها “الغاف جاليري” من خلال هذا التقليد، مُبْتَدِأً إعادة تصميم “البازار” على أصل الأصل، الذي هو الأخذ بتفعيل هذا التقليد، ليس من خلال تخصيصه عيناً ودلالة للروح الرمضانية من خلال بصريات مُستجدة دائماً، بل أيضاً بجعل الجمهور يتفاعل مع صانعي هذه البصريات من خلال لقاءات وحواريات، تُشْجِينا من خلال التعرف على معامل البحث في روح وعقل كل فنان استعان بمرجعية الشهر الإسلامي الأبدي لتقديم فنه. eachpattern@hotmail.com