من أكثر الأمور التي تزعج في هذه الأيام أن البعض بات «مظهرياً» بنفسه فيبالغ في مظهره ظناً منه أن الناس يحكمون على المظاهر، ولا يلتفتون إلى حقيقة الإنسان، وبغيره فيحكم على الآخرين من خلال مظاهر سطحية بعيدة كل البعد عن الحقيقة، ونلحظ هذه الظاهرة في مجتمعاتنا التي لم تصل بعد إلى الإيمان بأن الإنسان بعمله وفكره وقلبه. كثيراً ما يحكم بعض الناس على غيرهم بالغباء، أو الحمق، من خلال نظرة سطحية، دون النظر إلى جوهر الأشياء وحقيقتها، والمفارقة الغريبة أن هؤلاء يكتشفون أنهم هم الأغبياء لا من اتهموهم بالغباء! حدّث رجل خراساني من بعض أصحاب الصّنعة، ممن كان يعرف بالأحجار الخواصيّة، قال: اجتزت ببائع في الطريق بمصر، فرأيت عنده حجراً أعرفه، يكون وزنه خمسة دراهم، مليح المنظر، وكنت أعرف أن خاصيته في طرد الذباب، وكنت في طلبه منذ سنين كثيرة، فحين رأيته ساومته فيه، فاستام عليَّ به خمسة دراهم، فلم أماكسه ودفعتها إليه. فلما حصلت في يده، وحصل الحجر في يدي، أقبل يسخر مني ويقول: يجيء هؤلاء الحمير لا يدرون إيش يعطون، ولا إيش يأخذون! هذه الحصاة رأيتها منذ أيام مع صبي، فوهبت له دانق فضّة وأخذتها، وقد اشتراها هذا الأحمق مني بخمسة دراهم! فرجعت إليه وقلت له: يجب أن أعرّفك أنك أنت الأحمق، لا أنا.. قال: كيف؟ قلت: قم معي حتى أعرّفك ذلك. فأقمته ومضينا حتى اجتزنا ببائع التمر في قصعة، والذّباب محيط بها. فنحّيت الرجل بعيداً من القصعة، وجعلت الحجر عليها، فحين استقرَّ عليها طار جميع الذباب. وتركته ساعة وهي خالية من الذباب، ثم أخذت الحجر، فرجع الذباب، ثم رددته فطار، وفعلت ذلك ثلاث مرات: ثم خبأت الحجر وقلت: يا أحمق، هذا حجر الذباب، وقد قدمت في طلبه من خراسان، يجعله الملوك عندنا على موائدهم فلا يقربها الذباب، ولا يحتاجون إلى مذبّة ولا إلى مروحة، والله لو لم تبعني إيّاه إلا بخمسمائة دينار لاشتريته منك!. فشهق شهقة قدّرت أنه تَلف، ثم أفاق منها بعد ساعة وافترقنا.. * ابن نباتة المصري: مرآتـــــك العقــل كل وقــت تريك من نفسك الخفايا فلا تحكـــم هـــــواك فيهـــا إنّ الهوى يصدئ المرايا * أسامة بن منقذ: زهدني فــي العقــل أنــي أرى عنايــة الأيــام بالجهـــلِ والدهر كالميزان: ذو الفضل ينـ حط وذو النقصان يستعلي Esmaiel.Hasan@admedia.ae