بعد أن كبرنا تغيرت الأشياء، لم يعد العيد عيداً كما اعتدنا، ولم تعد اللحظات فيه حلوة كما عرفنا، جاء العيد ورحل متثاقلاً بنا وبفرحنا الذي أردناه نحن.. بعد أن بهتت ملامحه في عصر العولمة. إلى سنوات قليلة ماضية كانت الشبكة الهاتفية تتعطل ليلة العيد لكثرة الاتصالات المهنئة بالعيد لكن هذا العيد جاء ورحل بأقل القليل من المكالمات المهنئة وبانعدام للرسائل النصية بعد أن صارت أجمل تهانيه مجرد «برودكاست» بنفسجي لكل « الليستة»! الأبواب المفتوحة لم يعد يدخل منها سوى النسوة والصغار أما الشباب فأصبح لهم مزاجهم الخاص بالسفر والسياحة والخروج مع بعضهم، بينما تجر الزوجة صغارها إلى بيت أهلها كي تقضي العيد معهم. انقضى العيد ولم أر التجمهر المعتاد للشباب في شوارع «الشعبية» ولم يعاني «الدكان» من دخول الصغار لشراء الألعاب البسيطة والسكاكر، لم يمش الكثيرون منهم بين البيوت لأخذ العيدية أساسا، صاروا قلة تزيدهم الخادمات. برغم العيد عايشنا أسى صنعه شبان استهتروا بأرواحهم وأرواح الآخرين، سمعنا عن حوادث قوية، سمعنا عن أخبار وفاة، وارتدى الرجال عباءة الحزن لتشييع المتوفين إلى المقبرة. برغم العيد استطاعت عقول صغيرة أن تغضب وتجادل في الحق، أن تخلق مشاكل لأنفس أرادت الصفاء، أن تبرهن عن وجود من يقدر على إزعاجك وأنت في قمة سعادتك. هناك دوما من يستطيع خلط سم الحزن بدسم الفرح ويملك بأسلوب مقيت إزعاج العيد، منهم المستهترون وأغلبهم أولئك القساة أصحاب القلوب السوداء، الذين يستطيعون تربية البغضاء حتى تكبر وتصبح عملاقة تلتهم كل شيء. برغم العيد بادر المشككون بكسر هيبة العيد، حاولوا تمرير إشاعات بغيضة، أزعجوا الناس الحريصين على العبادات، وصنعوا سوفسطائية جدلية حول العيد سرقت الكثير من متعة العيد وحولته إلى شك كبير برغم التأكيد. من لم تسعفه أيام العيد السريعة في اغتنام الفرصة للبهجة فليغتنم اليوم، لأن الجمعة عيد صغير لكنه أشمل وأجمل، هو عيد سريع يمر كل أسبوع ليذكرنا بأن النفس تحتاج للراحة والسكينة والتواصل مع الآخرين. الجمعة أيضا يوم عيد، واتصاله بالعيد الجميل أمر كاف لأن نحاول تبرير السعادة فيه، فالعيد أتى ورحل والأجواء لم تعد حماسية جدا كما كانت، لكن يكفي أنه المناسبة الوحيدة القادرة على صنع سعادة خاصة بدون سبب، حتى لو أغلقت كل الأبواب وبقي الشخص وحيدا أو ساهرا في عمله .. إنه العيد اسمه وحده يصنع الفرح ويوجد الفرق.