كل واحد منا يتمنى أن ينجح في حياته أكثر من الآخرين، حتى من إخوته أحياناً، والشخص الوحيد الذي نتمنى أن يكون أفضل منا هو ابننا، أو ابنتنا، ومن حكمة الله أن زرع عاطفتي الأبوة والأمومة، لتستمر الحياة، فتجد الآباء يكدون ويتعبون، ويتفانون في العمل، بهدف إسعاد أبنائهم، ويتمنى الأب ألا يقف عن العطاء وإسعاد أبنائه، فما أن ينتهي الابن من الثانوية، حتى تبدأ مرحلة الجامعة، وبعدها الدراسات العليا وهكذا، وحدهم الآباء والأمهات الذين يتمنون أن يصبح أبناؤهم أفضل منهم، وتتحول كل سنوات الشقاء والعذاب والكدّ، إلى فرح لا يوصف في لحظة نجاح الأبناء. هذا الحب المتجذّر في قلوب الآباء، لأبنائهم، لا نقدّره للأسف إلا بعد أن نصبح آباء، فنعرف كم نفرّط في حب آبائنا، وكم مرة نقتلهم في اليوم الواحد، حين نتركهم يعيشون على أعصابهم فنخرج من بيوتنا، ونتأخر، وهم في قلق علينا، ونحن باستهتار تارة، وجحود تارة أخرى، نهمل دراستنا، ونفشل ونفشل، ولا ندري ما يعني هذا بالنسبة لهم، إنها جرائم يومية، بحق الآباء! من أصعب المواقف التي تواجه الأب حين يفشل ابن أو ابنة من أبنائه، فذلك والله موقف عظيم يكسر ظهره. كان النبيّ صلى الله عليه وسلم مضرب المثل في حبه لأولاده وأحفاده. فيُروى أن الأقرع بن حابس زار النبيّ صلى الله عليه وسلم يوماً، فلما أخذ مجلسه واستقرّ به المقام، أقبل الحسن بن علي على الرسول صلى الله عليه وسلم فرحّب به الرسول وضمه إلى صدره وقبّله بين عينيه. فتعجب الأقرع من فعل الرسول وعطفه الغامر وحنانه الدافق، ولم يقدر أن يستر دهشته، فقال للنبيّ صلى الله عليه وسلم متعجباً: أتُقَبِّل الأطفال؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «نعم وأية غرابة في هذا؟» قال الأقرع: والله إن لي عشرة من الأولاد ما قبَّلت واحداً منهم قط! وعندئذٍ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «وما أفعل إذا كان الله تعالى قد نزع الرحمة من قلبك؟ إن الله رحيم يحب الرحماء، ومَن لا يرَحم لا يُرحم»! وفي الحديث المرفوع: «إن ريح الولد من ريح الجنة». قيل: غضب معاوية على ابنه يزيد، فهجره، فاستعطفه له الأحنف وقال له: يا أمير المؤمنين أولادنا ثمار قلوبنا، وعماد ظهورنا، ونحن لهم سماء ظليلة، وأرض ذليلة، فإن غضبوا فأرضِهِم، وإن سألوا فأعطِهم، ولاتكن عليهم قفلاً فيملوا حياتك، ويتمنَّوْا موتك. قيل: غضب الطرماح على امرأته فشفع فيها ولده منها صمصام، وهو غلام لم يبلغ عشراً، وقيل إن الغربة أرهفت عاطفة حب الأهل والبنين والوطن في نفسه، وجعلته مشفقاً من حوادث الزمان، يخشى أن تغتاله المنية وهو بعيد عنهم فقال: أصمصام إن تشـفعْ لأمّكَ تلْقَهـا لها شافعٌ في الصــدر لم يتزحــزِحِ هل الحــب إلا أنهـــا لو تعرَّضــتْ لذبحك يا صمصام قلتُ لها: اذبحي أحاذر يا صمـصام إن مت أنْ يلي تراثــي وإيــاك امرؤٌ غــيرُ مصلــحِ إذا صكَّ وسطَ الـقـوم رأسك صكةً يقول له النـاهي ملكـتَ فأســـجحِ ونـاصـــرُكَ الأدنى عليـه ظعينــةٌ تميــدُ إذا اسـتعبرتَ ميدَ المـرنّحِ مفجَّةٌ لا دفع للضيـــم عندهـــــا سوى سفحانِ الدمعِ من كل مسفحِ إذا جئتهـا تبكي بكتْ وتذكّــرتْ مع الحزن صـولاتِ امرئ غير زمَّـحِ