في مبادرة عالمية ومهمة في تاريخ حضارتنا الراهن، وفي فترة تعد مفصلاً أساسياً في مسيرة الإنسانية نحو آفاق جديدة للسلام والتعاون الدولي، ونبذ الحروب وويلاتها التي دمرت حضارات وأبادت ملايين البشر، ولكي يعلو العالم بقيمة الثقافة في وجه الدمار والإرهاب، ويسمو بقيمة المعرفة في وجه التطرف والعنصرية وعدم الاعتراف بالآخر، وبمنجزه الحضاري، أطلقت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “اليونسكو” على لسان مديرتها الجديدة البلغارية “ايرينا بوكوفا “ في مقر المنظمة بباريس رسمياً إعلان السنة العالمية لتقارب الثقافات، وهي مبادرة الغاية منها التصدي للتطرف، ومنع تصاعد الإرهاب، ومحاولة التقريب بين شعوب العالم من خلال المنجز الحضاري والثقافة المشتركة، وذلك بمساعدة شخصيات ومشاهير في مختلف مناحي الحياة، ومن دول العالم أجمع. وقد رفعت المبادرة شعار “السلام قبل 60 عاماً ليس مثل السلام اليوم، يجب إعادة التفكير بالوسائل الكفيلة بالمحافظة عليه، وإعادة التفكير في الحوار بين الثقافات”، ولعل هذه المبادرة الرائدة عالمياً تعيد للأذهان ما آلت إليه الأفكار الفلسفية، ونظريات المفكرين في مسائل طرحت بعد انتهاء الحرب الباردة، وزوال القطبية، وانهيار منظومة الاتحاد السوفيتي ومعسكره الشرقي، وبروز أوروبا موحدة، كالتصادم الحضاري ونهاية التاريخ، وبروز مصطلحات كالكوكبة أو العولمة. مبادرة اليونسكو العالمية لتقارب الثقافات تعطي مفهوماً جديداً للسلام بين شعوب العالم، في محاولة لإيجاد النقاط المشتركة وخطوط التقاطع بين مختلف ثقافات الشعوب التي يمكنها التعايش والتواصل والتلاقح لمصلحة الإنسان وحريته وتطوره المعرفي واستقراره، وشعوره بالأمن، والتفرغ لقهر مصاعب ومشكلات تواجهه في البقاء سليماً معافى على هذه الأرض. بين النظريات الفكرية، وما يحلم به المتبصرون والمتنورون من أجل سلام يعم العالم، ويساوي بين بني الإنسان، ويرحب بالتعايش الإثني، ويمنع الاستعباد أو العنصرية أو الحرب الإلغائية أو التصفية العرقية، وبين ما يفكر به الساسة ورؤساء مجالس الشركات عابرة القارات، والمصانع العالمية الكبرى، سواء كانت مصانع أسلحة أو مصانع أدوية، يبقى العالم في مهب رياح القلاقل وبؤر التوتر، بحيث إن أي عمل ولو كان فردياً أو على مستوى دولة أو مستوى تفكير زعيم ديكتاتوري يمكن أن يظهر غضب الصدور، ويعصف بكل الجهود الخيّرة من أجل عالم حر وخالٍ من الدمار!