ما يعانيه العالم اليوم من أزمات سياسية طاحنة أودت بحياة دول ومجتمعات، هي نتيجة مباشرة للأزمة الكبرى، أزمة المفاهيم، ومأزق المعاني في الأيديولوجيات المضاربة، والتي صارت تشكل أقطاباً متنافرة، مضادة، الى حيث الهلاك البشري. والمثال في العالم الإسلامي الذي تجاذبته مجمل الفرق والنحل والطوائف والأعراق الدينية، أصبح يشكل مصدراً للخطر على شعوبه الذين وقعوا في شرك الخدع البصرية التي نصبتها قوى فكرية وعقائدية، أخذت المعاني المغايرة للعقيدة ونثرتها غباراً خانقاً، حانقاً، معتبرة ذلك أنه الحقيقة التي جاء بها الدين. ولا شك أن وراء هذه الترمضات دوافع نفسية، مرضية، انطلق منها ناشرو البغضاء الدينية، فسادت هذه الضغائن وأبادت وأشعلت الحرائق السياسية حتى صار من المستحيل الفكاك والتخلص من هذه الأدران، والتي أصبحت وباءً فتاكاً تعاني منه الشعوب وترزح تحت ويلاته المجتمعات، ما أشاع التخلف والسير بسرعة فائقة نحو الوراء.. فالتغير الديني الخاطئ، واعتناق أن الحقيقة ملك لفئة دون سواها، وتوهم امتلاك هذه الحقيقة هو كمن يهب صكوك الغفران للتابعين والمنافحين والذاهبين باتجاه المجهول. ولا شك أن غياب المرجعية الدينية الواعية والشجاعة، والمالكة لناصية العلم الديني ومفاهيمه الصحيحة، السبب الجوهري في سيادة اللاعقل، واستيلاء أنصاف “الدعاة” على منابر الدعوة وبسط نفوذهم على المشاعر والعواطف. ولا خلاص أبداً إلا بعودة الصورة، ونهوض المجتمعات من غفوة الاستلاب الديني ويقظتهم من غفلة السبات المفاهيمي، وهنا الدور يقع على قادة الرأي وصناع القرار بأن يتبوأوا نواصي التحدي والوقوف ببسالة في مواجهة المد الاستلابي ومجابهته بالفكرة المضادة، والوصول الى الناس بشحنات بالغة التأثير، والتأطير لصد إرهاصات ما قبل التلوين الثقافي وانبطاح الفارس. نحن بحاجة الى علماء دين يصلون الى العقول قبل القلوب، ويلجون محيطات النفس البشرية بأوراق الإقناع، وأمصال الوقاية، وحقن العلاج من مخلفات ما تذره العقول الخربة.. نحن بحاجة الى علم ديني ينهض على أوتار المعرفة بالدين، ووضع المفاهيم الصحيحة المستقاة من معاني الدين الحقيقية. نحن بحاجة الى وعي ديني يسد الفجوة ما بين العامة ومن يحملون لواء الدعوة، ونحن بحاجة الى ثقافة دينية تقطع دابر التدخلات المللية الغارقة في أوحال التشرذم، والأحقاد، وعقبات المتلونين والمكدرين صفاء المجتمعات ونهوضها ورقيها. نحن بحاجة الى نهضة دينية حقيقية تواصل مسيرة العلم بمفاهيم الدين ومعانيه الجليلة، وسموه ورفعته عن كل ما يشيع البؤس والضيق والضياع الإنساني وتيه الأجيال. نحن بحاجة الى لحظة التأمل الواعية بمعنى الدين وتعاليمه وشرائعه السمحاء، ورسالاته الإنسانية السامية.