أشعر بالفزع عندما أقرأ خبراً بأن طالباً ارتكب 400 مخالفة خلال عامين وبـ356 ألف درهم. أولاً.. لأن مرتكب المخالفات لم يزل طالباً وليس مديراً ممن يتجاوزون بحجة من الحجج التي يسوقونها.. ولا هو موظف يتقاضى راتباً من كده وكدحه. ثانياً.. إن المبلغ الذي كلفته هذه المخالفات والتجاوزات يعيل أسراً ويستر أحوالاً ويحفظ عوائل من الضياع ومد الأيدي للآخرين. ثالثاً.. إن هذا الطالب، الذي جاء لطلب العلم، وقد أمّنته أسرته على نفسه وتنتظر عودته المظفرة بشهادة ترفع رأسه وتعلي شأن أهله، لم يفكر في هذا كله بل انغمس في الطيش واعتبر ذلك شطارة واعتقد أن التحايل على أجهزة المرور سيستمر طويلاً ولا يدري أن حبل الكذب قصير. رابعاً.. لو أن هذا الطالب.. وهو طالب علم ويفترض أنه وصل إلى درجة من العلم تجعله واعياً لما يدور من حوله، أقول إنه، لو جلس في يوم من الأيام أمام شاشات التلفاز وشاهد الصور المروعة والمناظر التي تقطع الكبد وتذهب العقل وتسلب القلب من فقراء في محيطنا القريب والبعيد وأناس يلتقطون أواني الطعام والأكياس المقذوفة من علو على رؤوسهم، من قبل هيئات ومؤسسات إغاثة وكذلك ما يحيق بآخرين من جراء العوز وعواء الحاجة والمرض ودموع تغسل الوجوه المتعبة وأنّات وآهات تفتك بالصدور. لو شاهد هذا الطالب كل هذه الأفلام البشرية الواقعية والمأساوية سيعرف قيمة ما يلعب به ويتلاعب من خلاله وسيعرف عِظَم الجرم الذي يرتكبه بحق نفسه وحق الآخرين وسيعرف فداحة إهدار الأخلاق في خضم الغفلة والانسياق خلف مظاهر كاذبة وخداعة وماكرة. لو فكر هذا الطالب للحظة واحدة لحظة تأمل حقيقية في أن ما يهدره من أموال طائلة يحتاج إليه الملايين من البشر في مشارق الأرض ومغاربها من أجل سد الرمق وبل الريق وستر العورة والعيش بكرامة ومنع المرض من أن يغزو أجسادهم المتهالكة.. لو فكر هذا الطالب، وأفترض أنه لابد وأن يفكر بعد الآن وبعد أن وقع الفأس في الرأس،في أن المال الذي بين يديه ليس ملكه هو، بل هو من كد أب أو أخ كان ينبغي عليه أن يحترم تعب الأهل وأن يقدر هذه النعمة التي لا يجدها غيره حتى ولو نشف دمه وجف عرقه ويبس ريقه. أتمنى من كل قلبي أن تكون قضية هذا الطالب درساً لجميع أبنائنا وعبرة يستفيدون منها.. فإذا كانوا لا يريدون التفكير بغيرهم فليفكروا في أنفسهم، فالدراهم التي يضيعونها اليوم قد يحتاجون إليها غداً وقد لا يجدونها.. وكل شيء وارد ولا شيء يدوم ولو دامت لغيرك ما وصلت إليك.. وغفلة لحظة يمكن أن تكلف عمراً، فيجب ألا نضيع الزمان بالنسيان وألا نغمض أعيننا عما يحيط بنا.. والزمن دوار.. فلنحترس قبل أن يفترسنا الندم.