كان أهلنا يقولون «صفِّ النيّة ونَم في البرية»، فالإنسان الذي ليس لديه حقد وغل على الناس ولم يظلم أحداً لا يخاف من شيء، ينام قرير العين وملء جفونه. ما من أمة ساد فيها العدل إلا وسادت الدنيا وتفوقت على أقرانها من الأمم، وقد عُرف العرب بعدلهم وبلغوا فيه في الإسلام مبلغاً فتحوا بلاداً بأكملها، لما عرفوا به من إنسانية وعدل. ها هو رسول كسرى يبحث عن الخليفة عمر بن الخطاب، لا يصدق ما تراه عيناه، بيته، هو أدنى من بيوت الفقراء، وجده نائماً في ملابسه البسيطة تحت ظل شجرة قريبة، فقال مقولته الشهيرة: «حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر». قال حافظ إبراهيم: وراع صاحب كسرى أن رأى «عُمراً» بيـــن الرعيــة عطــلاً وهو راعيهــا وعهدُه بملــوك الفُرس أن لهـــــا سوراً من الجُند والأحراس يحميها رآهُ مســـــتغرقاً في نومــه فــرأى فيه الجلالــة في أسـمى معانيـها فوق الثرى تحت ظل الدوح مشتملاً بـــــبردة كاد طول العهــد يبليهــا فهان في عينيه ما كان يكبــــــره من الأكاســـر والدنيــا بأيديهــا وقال قولة حق أصبحــت مثــــلاً وأصبح الجيل بعد الجيـل يرويها أمنت لما أقمت العـــدل بينهــم فنمت نوم قريـر العيــن هانيهــا العَدْل لغة ما قام في النفوس أنه مُسْتقيم، وهو ضِدّ الجَوْر، عَدَل يَعْدِلُ عَدْلاً وهو عادِلٌ من قوم عُدُول وعَدْلٍ، ومن أسماء الله سبحانه: العَدْل، هو الذي لا يَمِيلُ به الهوى فيَجورَ في الحكم، والعَدْلُ الحُكْم بالحق، يقال: هو يَقْضي بالحق ويَعْدِلُ. والعَدْلُ من الناس: المَرْضِيُّ قولُه وحُكْمُه. يروى أن ملكاً من الملوك خرج يسير في مملكته متنكراً، فنزل على رجل له بقرة تحلب قدر ثلاث بقرات، فتعجّب الملك من ذلك وحدثته نفسه بأخذها، فلما كان من غد حلبت له النصف مما حلبت بالأمس، فقال له الملك: ما بال حلبها نقص أرَعَت في غير مرعاها بالأمس؟ فقال: لا ولكن أظن أن ملكنا رآها أو وصله خيرها فهمّ بأخذها، فنقص لبنها، فإن الملك إذا ظلم أو همّ بالظلم ذهبت البركة. فتاب الملك وعاهد ربه في نفسه ألا يأخذها ولا يحسد أحداً من الرعية، فلما كان من الغد حلبت عادتها. وقيل إن ملكاً بلغه أن امرأة لها حديقة فيها القصب الحلو، وكل قصبة منها تعصر قدحاً، فعزم الملك على أخذها منها، ثم أتاها وسألها عن ذلك، فقالت: نعم، ثم إنها عصرت قصبة، فلم يخرج منها نصف قدح، فقال لها: أين الذي كان يقال؟ فقالت: هو الذي بلغك إلّا أن يكون السلطان قد عزم على أخذها مني، فارتفعت البركة منها، فتاب الملك وأخلص لله النيّة وعاهد الله ألّا يأخذها منها أبداً، ثم أمرها فعصرت قصبة منها فجاءت ملء قدح. صفي الدين الحلي: لقد وَفتِ العَلياءُ في المجدِ قِسطَنا وما خالفتْ في منشأ الأصلِ شرطنا فمُذْ حاوَلَتْ في ساحة ِالعزّ هَبطَنا علوْنا إلى خـــيرِ الظّـــهورِ وحطَّنا لوقتٍ إلى خيرِ البطونِ نزولُ نغيثُ بني الدنيا ونحمـلُ هولهمْ، كما يَومُنا في العِزّ يَعــدِلُ حَولَهم نَطولُ أُناساً تَحسُدُ السُّحبُ طَولَهمْ ونُنكِرُ إن شِـــئنا على النّاسِ قولَهم ولا يُنكِرونَ القولَ حينَ نَقولُ Esmaiel.Hasan@admedia.ae