نقول في أحاديثنا الدارجة “إن شكينا ندمنا وإن سكتنا قهر” ومع ذلك نتحدث، لأن الحديث والنقاش والجدل حول أي ظاهرة أو مشكلة أو أزمة أفضل بكثير من الكبت والصمت والمعاناة النفسية، فقد يترتب على المكاشفة والحديث حل أو انفراج، أما التداعيات غير المرغوبة فأمرها بسيط، نقول ذلك إزاء ظاهرة مزعجة جدا لا بد من رفع الصوت بها والشكوى منها للجهات المسؤولة؛ علها تحمي الكثيرين من الضرر المتوقع حدوثه عاجلا أم آجلا.
إنها ظاهرة الهجوم الكاسح لموظفي البنوك على اختلافها من أجل الحصول على أي نصيب من الكيكة، والكيكة هنا هو جيب المواطن وراتبه ورزقه، هذا المواطن الذي يُجابه حاليا بسيل جارف من الاتصالات الهاتفية التي لا يتورع مندوبو البنوك عن إزعاجه بها في أوقات متأخرة من المساء وبدون أذن، إن كان يسمح لهم بهذا الوقت أو لا يسمح! فمن يوقف هؤلاء ويعلمهم معنى احترام خصوصية وحرمة أوقات الناس؟
لقد أصبحت اتصالات مندوبي البنوك لعرض قروض بأرقام فلكية ظاهرة ملاحظة ومريبة في الوقت نفسه، والعرض واحد دائما: لدينا استعداد لإقراضك المبلغ الذي تريد، وبتسهيلات لا تتصورها، فمن السهل أن تتخيل نفسك وقد حصلت على مليونين أو ثلاثة ملايين درهم، طالما أنك مستعد لقبول الشرط الذي غالبا ما يخبرك المندوب به في نهاية المطاف وبعد أن تسأله مرارا وتكرارا، بعد أن تكون قد وقعت في الفخ، فمن يعلم هؤلاء أصول العرض والطلب بأقل قدر من النصب والاحتيال!!
لماذا يتم في هذا الوقت المادي العصيب تزيين الاقتراض للناس، وبأسعار فائدة عالية جدا، في الوقت الذي نعلم جيدا أننا في الإمارات نسجل معدلا متضخما للديون التي يعاني منها المواطنون تحديدا؟ ما الذي يمكننا فهمه من تفشي ظاهرة الإلحاح اليومي لدفعك إلى أخذ قرض قد لا تحتاجه بهذه المبالغ الخرافية، هل المقصود هنا زج الشباب في أزمة قروض طويلة الأمد لا تنتهي؟ هل المقصود ربطهم بعجلة رأس المال المصرفي بشكل لا فكاك منه لتحقيق أغراض معينة؟ هل ينحصر الغرض من العروض الملحة على الإقراض في موضوع تنشيط دورة المال في المصارف فقط؟ أعتقد أننا بحاجة إلى الكثير من الاستهبال لنصدق بأن هذا هو السبب الوحيد!!
أعتقد أننا ندخل في أكثر من أزمة اقتصادية وغير اقتصادية إذا ما أرخينا الحبل على الغارب للبنوك لتمارس ضغطها المستمر في سبيل توريط الشباب في قروض ضخمة كالتي يزينونها ويتساهلون في منحها بعيدا عن رقابة المصرف المركزي، وكلنا نعلم ما تعانيه الأسرة جراء هذه القروض، حتى وصل الأمر منذ سنوات إلى مناقشته على أعلى المستويات باعتباره أزمة اجتماعية حقيقة تتطلب تدخل جهات رسمية عليا، فماذا تريد البنوك اليوم بالضبط أن تعلي من سقف الأزمة لتحولها إلى كارثة وطنية في سبيل تحقيق أرباحها الفلكية؟


ayya-222@hotmail.com